اقرأ في هذا المقال
- تعاقب التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في التطور الاجتماعي
- هل العلاقات الإنتاجية تعرقل تطور المجتمع
- نظريات فلسفة التاريخ في التطور الاجتماعي
هناك في التاريخ تشكيلات اجتماعية واقتصادية أساسية ومعروفة، وهي النظام الشيوعي البدائي ونظام الرق والعبيد والنظام الاقطاعي والنظام الرأسمالي، وأخيراً النظام الشيوعي، وأما الاشتراكية فهي المرحلة الأولى من هذه التشكيلة.
تعاقب التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في التطور الاجتماعي
إن تعاقب التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية هو مسيرة التطور التاريخي والمراحل الأساسية للتقدم الاجتماعي، ولهذا فإن التعاليم حول التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية تعطينا الأساس الموضوعي لتصنيف التاريخ إلى مراحل، ذلك التصنيف الذي لا يستطيع أن يستغني عنه علم التاريخ.
إن حلول تشكيلة محل تشكيلة أخرى عملية تاريخية طبيعية، لقد صاف كارل ماركس في مقدمته الشهيرة لكتابه المسمى مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي، قانوناً عاماً مضمونه أنه ليست هناك ولا تشكيلة اجتماعية واقتصادية واحدة تهلك قبل أن تتطور القوى المنتجة كلها، حيث تتيح لها هذه التشكيلة مجالاً واسعاً لنموها، كما أنه لا تظهر علاقات انتاجية جديدة أرقى من سابقتها قطعاً قبل أن تتمخض الظروف المادية لتجعلها تسود في أحضان المجتمع القديم نفسه، وأن الانتقال من تشكيلة إلى أخرى يحدث عادة من خلال الثورات الاجتماعية التي من المحتمل أن تتخذ أشكالاً ملموسة ومختلفة تبعاً للظروف والأحوال.
إن سبب حلول تشكيلة محل تشكيلة أخرى هو تغير أسلوب الانتاج، وأن قانون مطابقة العلاقات الانتاجية طبيعة ومستوى القوى المنتجة يعطينا الجواب عن السؤال لماذا تحل تشكيلة اجتماعية واقتصادية محل أخرى، فطبقاً لهذا القانون تطالب القوى المنتجة الجديدة التي نمت في باطن المجتمع القديم بوجود علاقات انتاجية تناسبها.
هل العلاقات الإنتاجية تعرقل تطور المجتمع
لا بدّ من تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة التي أصبحت تعرقل تطور المجتمع وتبدلها بعلاقات إنتاجية جديدة؛ ﻷنه تستحيل مواصلة التقدم السريع بدون هذه العملية، كما أنه يستحيل بدونها تطور القوى المنتجة بحرية ودون أية عوائق أو موانع، وهكذا نجد أن الاصطدام بين القوى المنتجة والعلاقات الانتاجية هو السبب الذي يعين حتمية التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية القديمة والانتقال إلى تشكيلة اجتماعية واقتصادية جديدة.
ولذلك فإن حلول تشكيلة اجتماعية واقتصادية محل تشكيلة أخرى هو مسيرة المجتمع في سبيل التقدم التاريخي، ثم أن مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية يعطينا معياراً لتمييز مراحل التقدم التاريخي، لقد كتب ماركس بهذا الصدد ما يلي: نستطيع أن نعتبر أن أساليب الإنتاج، الآسيوي واليوناني والروماني القديم والإقطاعي والبرجوازي الحديث هي معالم لعصور تقدمية من التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية.
إن العلاقات الإنتاجية البرجوازية هي الشكل الأخير الذي يعبر عن التناقضات التناحرية لعملية الإنتاج الاجتماعي، وبانتهاء التشكيلة الاجتماعية البرجوازية ينتهي التاريخ الذي يسبق تاريخ المجتمع البشري الحقيقي، وكما تنبأ ماركس وفريدريك إنجلز ستحل التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الشيوعية محل التشكيلة البرجوازية بصورة طبيعية وشرعية، تلك التشكيلة التي تدشن تاريخ البشرية الحقيقي.
وميز ماركس وإنجلز في مؤلفاتهما اللاحقة المجتمع المشاعي البدائي كذلك، باعتباره أول التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية التي اجتازها شعوب العالم كلها بدون استثناء، لقد حلل إنجلز في مؤلفه أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، باسهاب هذه التشكيلة معتمداً إلى درجة كبيرة على اكتشافات ديفيد مورغان التي عرضها في كتابه المجتمع القديم وعلى مصادر أخرى كذلك.
انتشرت اليوم في الأدبيات الفلسفية البرجوازية المعاصرة الباحثة في التاريخ وعلم الاجتماع نظريات تحاول انكار فكرة التقدم على العموم، إن هذه الظاهرة لها دلالتها، بالطبع فحينما كان مفكرو الرأسمالية في عصر تصاعد تطورها، كالعالم انطونيان كوندورسيه، مثلا يدافعون عن فكرة التقدم الذي لا نهاية له، فإن الكثير من مفكري البرجوازية في عصر أفول نجم الرأسمالية يرفضون الإيمان الساذج على حد تعبيرهم بالتقدم، ويدعون أن الإنسانية من وجهة النظر الفلسفية تراوح في مكان واحد أو أنها تكرر الدورات نفسها في تطورها.
وليس من النادر أن نجد أنهم يجعلون فكرة المسيرة الحثيثة للتاريخ تحل محلها فكرة الدوران، فيدعون أن المجتمع مصيره هذا الدوران، إن نظرية الكثير من الفلاسفة البرجوازيين المعاصرين في التاريخ وعلم الاجتماع هي نظرية تحمل هوية متشائمة في غاية الوضوح، إذ أنهم يجعلون هلاك الرأسمالية الذي لا مهرب منه على قدم المساواة مع هلاك البشرية أو تقهقرها إلى وراء.
نظريات فلسفة التاريخ في التطور الاجتماعي
ومثلنا النموذجي على هذا النوع من النظريات هو فلسفة التاريخ، وأن هذه الفلسفة موجهة ضد التعاليم الماركسية حول التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية وعلى طرف نقيض منها، حيث أنها تضع مفهوم الحضارة بديلاً من مفهوم التشكيلة، يدعي بعض العلماء أنه بدل من الصورة الجامدة التي تصور التاريخ على شكل جذع لا بدّ من صورة أخرى تمثله على شكل شجرة، حيث تنمو عليها حضارات، كالغصون الواحدة بجانب الأخرى.
وأن كل حضارة من هذه الحضارات فريدة لا مثيل لها ولها سماتها الخاصة بها، وأن لهذه الحضارات ظواهر متشابه، حيث أن كل منها تجتاز دورة النشوء والنمو والتفسخ والهلاك، وننكر الصفات الجوهرية العامة التي تميز الشعوب التي تجتاز المرحلة التاريخية نفسها، وإلى جانب ذلك يقارن مقارنة سطحية للغاية بين عصور تاريخية مختلفة، وبين مصائر الحصارات وشخصياتها التاريخية، فيقارن مثلاً بين بطرس الأكبر وميتريدات قيصر من آسيا الصغرى وغير ذلك، إن فلسفة التاريخ التي ضاغها بعض العلماء، وفكرة الدوران التي تتميز بها، موجهة ضد الإقرار بالطابع التقدمي الحثيث الذي يتسم به التطور الاجتماعي.
إن الماركسية لا تنكر، بالطبع أنه من المحتمل أن لا يكون هناك ارتباط بين بعض الفروع من المسيرة التاريخية في مراحل معينة، كما أنه من الممكن أن يحل التراجع والنكوص أو التدهور والانحطاط محل التطور التقدمي في بعض المجتمعات، حيث أن هذه طبيعية واحدة وحثيثة، يفضي إلى تصفية كافة أشكال استغلال الإنسان للإنسان عبر قرون من الاضطهاد الطبقي والظلم القومي.
إن الإنكار السافر للتقدم التاريخي يبدو لا مستقبل له بجلاء خاصة حينما يواجه قرابة مئة شعب من شعوب الاقطار التي كانت مستعمرات أو شبه مستعمرات في الماضي، استيقضت وهبت للنضال وأخذت تسير في تطورها التاريخي بصورة مستقلة، وإن هذه الحقيقة أرغمت علماء الاجتماع البرجوازيين على أن يحاولوا إحياء فكرة التقدم حسبما يرتأون، فكثيراً ما اكسبوها طابعاً ذا جانب واحد للغاية.
يطرح أنصار هذه النظريات وأمثالها في المقام الأول العوامل التقنية ويتجاهلون العوامل الاجتماعية، فيحاولون البرهنة على أن طريق الرأسمالية هو الطريق الطبيعي والاعتيادي لتطور البشرية، ومن بين هذه النظريات نظرية والت ويتمان روستو عالم الاجتماع والاقتصاد الاميركي وهي نظرية مراحل التطور الاقتصادي، يطرح هذا العالم إلى جانب العلم والتكنيك عوامل عديدة أخرى تعتبر مستوى الاستهلاك وغيره معياراً لتشخيص مراحل النمو، ونظريات المجتمع الصناعي الواحد والمجتمع الفوق الصناعي، ونظريات تجديد المجتمع التقليدي وجعله مجتمعاً معاصراً، وأن النقص الجذري لهذه النظريات وأمثالها في أنها تتجاهل العلاقات الإنتاجية باعتبارها العلامة الحاسمة في تعيين طراز المجتمع.