تفسيرات منحنى العمر والجريمة

اقرأ في هذا المقال


جادل مارفيل ومودي بأنّه على الرغم من عدم وجود نقص في التكهنات حول أسباب منحنى العمر والجريمة، إلّا أنّ هناك القليل من الدعم التجريبي لأي من هذه التفسيرات واستنتجوا أنّه لا يوجد أساس نظري ثابت لمنحنى العمر والجريمة، وقام تيتل وجراسميك بفحص مجموعة متنوعة من العوامل الإجرامية المتغيرة للعمر، ولكنهما وجدوا أنّ تضمين هذه العوامل لا يبدو أنّه يفسر العلاقة بين العمر والجريمة، وأبلغوا عن عدم القدرة على استبعاد الحجج النظرية لهيرشي وجوتفريدسون وخلصوا إلى أنّه ليس من السهل تفسير منحنى العمر والجريمة.

أبرز نظريات النمو التي توضح العلاقة بين العمر والجريمة

حاولت النظريات الإجرامية الحديثة شرح المنحنى نفسه وذلك لفهم التغيرات في مستويات الجريمة على مدار منحنى العمر والجريمة، وتظهر استراتيجيتان لمحاسبة التباين عبر مسار الحياة في النظرية الإجرامية:

الجريمة في نظريات الميل حسب العمر

تشير نظريات الميل إلى سمة أساسية ثابتة واحدة تسبب الجريمة في جميع الأعمار، إلى جانب نظرية النزوع الأكثر شهرة والأكثر اختبارًا في علم الجريمة هي نظرية جوتفريدسون وهيرشي العامة للجريمة، والتي تشير إلى أنّ الجريمة والسلوكيات الأخرى المحفوفة بالمخاطر في جميع الأعمار هي نتيجة انخفاض مستوى ضبط النفس للفرد، وقد يبدو استخدام سمة مستقرة نظريًا لحساب التباين الواضح المرتبط بالعمر في أنماط الجرائم الجنائية أمرًا غير بديهي.

أكد جوتفريدسون وهيرشي أنّ ضعف ضبط النفس ينتج عنه سلوكًا إجراميًا في ظل وجود فرص إجرامية، وبالتالي قد تختلف فرص الجريمة عبر مسار الحياة على الرغم من أنّ مستويات ضبط النفس مستقرة نسبيًا، واقترح هيرشي وجوتفريدسون أنّ الاختلاف في فرصة الجريمة حسب العمر يمثل قدرًا كبيرًا من التباين في النشاط الإجرامي الفعلي الملحوظ.

بالتوافق مع تأكيدهم السابق على أنّ العلاقة بين العوامل الاجتماعية المتغيرة للعمر والمخالفة هي علاقة زائفة بسبب العمر، وتجادل نظرية الميل بأنّ أي علاقة بين العوامل الاجتماعية (على سبيل المثال روابط الأقران المنحرفة والروابط الاجتماعية الضعيفة) والإساءة زائفة بسبب ضبط النفس.

بعبارة أخرى ترتبط ارتباطات الأقران المنحرفة والروابط الاجتماعية الضعيفة بالجريمة؛ لأنّها ناتجة عن العامل الأساسي لضبط النفس، ومن المرجح أيضًا أنّ يرتبط الأفراد ذوو المستويات المنخفضة من ضبط النفس بأقران منحرفين ويواجهون صعوبة في تشكيل والحفاظ على الروابط التقليدية التي تعزز الروابط الاجتماعية القوية، وبالتالي استمروا في القول بأنّ النظريات الإجرامية التي تنسب التغييرات في الإجرام بمرور الوقت إلى التغيرات في العوامل الاجتماعية غير كافية.

الجريمة في نظريات التطور حسب العمر

على عكس نظريات الميل تشير نظريات التطور أو مسار الحياة للجريمة إلى الاختلافات المرتبطة بالعمر في العوامل الإجرامية لتفسير العلاقة بين العمر والجريمة بشكل صريح، وتنظر كل من النظريات التنموية ودورة الحياة إلى مسار الحياة الكاملة في تفسيراتها للمخالفة، وتبدأ نظرية موفيت التنموية على سبيل المثال بالاستنتاج بناءً على بحث تجريبي، وأنّ منحنى العمر والجريمة يمثل الاختلافات في الانتشار حسب العمر، مع مشاركة نسبة أكبر من المراهقين في النشاط المنحرف أو الإجرامي، كما جادلت بأنّ منحنى العمر والجريمة الإجمالي يخفي اختلافات المجموعة في العلاقة بين العمر والجريمة، وبعبارة أخرى أشارت إلى أنّ التباين الفردي في تكرار الجرائم حسب العمر مخفي ضمن منحنى السن والجريمة الإجمالي.

موفيت اقترح وجهة نظر نمطية تحدد مجموعتين منفصلتين من المجرمين، ولكل منهما منحنى عمر وجريمة مختل، وبالتالي فإنّ المنحنى الإجمالي للعمر والجريمة عبارة عن مزيج من مجموعة صغيرة من المجرمين على المدى الطويل (يشار إليهم باسم المجرمين الدائمين على مدى الحياة)، والتي لها منحنى ثابت ومستقر نسبيًا بين الجرائم العمرية ومجموعة أكبر من الأفراد الذين يعانون من فترة قصيرة المدى من التورط الجانح يحدث خلال فترة المراهقة (يشار إليها باسم الجناة المحدودون للمراهقين)، مما يدل على منحنى العمر والجريمة النموذجي مع ذروة كبيرة خلال فترة المراهقة المتأخرة.

إلى جانب ذلك فإنه ومع وجود نمطين مخالفين مختلفين تتطلب هاتان المجموعتان تفسيرات مسببة مختلفة، فوفقًا لموفيت يتورط الجناة المستمرون في مسار الحياة في السلوك الإجرامي في وقت مبكر من الحياة ويستمرون في نشاطهم الإجرامي بسبب مزيج من القصور العصبي النفسي وعدم كفاية الأبوة والأمومة والحرمان التراكمي المرتبط بالنتائج السلبية للتورط الجنائي المبكر.

من ناحية أخرى ينخرط الجناة المحدودون من المراهقين في ارتكاب جريمة لفترة قصيرة نسبيًا، ويُفسَّر الدخول في جريمة من خلال فجوة النضج، حيث قد يكون الشباب ناضجين بيولوجيًا، ولكنهم يظلون معتمدين على أسرهم وتحت سيطرتها، وتحدث الإساءة البسيطة في محاولة للحصول على بعض الاستقلالية ونتيجة لتقليد النماذج المعادية للمجتمع، وتحدث الرغبة في هذه المجموعة في مرحلة البلوغ المبكرة مع زيادة الروابط الاجتماعية وتصبح عواقب النشاط الإجرامي أكثر عقابية.

نظريات مسار الحياة حسب العمر

بالمثل تشير نظريات مسار الحياة عن الإساءة إلى أنماط طويلة الأمد للقوى المسيئة والاجتماعية التي تعمل على مدى الحياة الكاملة، وتسلط نظرية سامبسون ولوب المتدرجة حسب العمر للرقابة الاجتماعية الضوء على عمليات الاستمرارية والتغيير في السلوك على مدار الحياة مع النظر في كل من الاختلافات بين الأفراد والاختلافات داخل الأفراد بمرور الوقت، ويتم حساب الدخول في السلوك المنحرف من خلال مجموعة متنوعة من العوامل الاجتماعية بما في ذلك الروابط الاجتماعية الضعيفة للأسرة والمدرسة في مرحلة الطفولة والمراهقة.

يحدث الابتعاد عن الجنوح مع تراكم الروابط الاجتماعية أي الزيجات القوية والعمالة المستقرة وغيرها من تأثيرات الاستقرار في الانتقال إلى مرحلة البلوغ، ومن ناحية أخرى يحدث الثبات (أي الاستمرارية) نتيجة للضرر التراكمي للتورط الإجرامي المبكر، وأكد سامبسون ولوب أنّ السلوك الإجرامي يزيد من إضعاف الروابط الاجتماعية الضعيفة بالفعل من خلال الحد من الفرص داخل المجتمع التقليدي، وجادل بعض العلماء بأنّ التركيز على الترابط الاجتماعي ضيق للغاية، وأنّ العديد من أحداث الحياة قد تعمل على تغيير ارتباط الأقران بشكل أكثر انسجامًا مع منظور التعلم بدلاً من منظور التحكم الاجتماعي.

أكد سامبسون ولوب أنّ هذا لا يتعارض بشكل مباشر مع نظريتهم، وأنّ أحدث نسخة من النظرية قد توسعت لاستيعاب الروابط الاجتماعية والنظراء وتأثيرات النشاط الروتيني التي تتغير على مدار الحياة، فعلى سبيل المثال قد يقوي الزواج الروابط الاجتماعية، بالإضافة إلى إضعاف روابط الأقران المنحرفة الموجودة مسبقًا وإعادة هيكلة الأنشطة الروتينية والفرص الجنائية، وهذه الأحداث الحياتية إذن تفسر ذروة الإساءة خلال أواخر المراهقة والانخفاض الكبير في الإجرام الذي يحدث بعد فترة وجيزة من الانتقال إلى مرحلة البلوغ.

المصدر: سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).


شارك المقالة: