اقرأ في هذا المقال
- جهاز استخدام قوانين التطور الاجتماعي
- ما معنى استخدام القوانين في التطور الاجتماعي
- قوانين التطور الاجتماعي في المجتمع الطبقي
أشارت مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفييتي ودورات لجنته المركزية إلى ضرورة بحث جهاز فاعلية واستخدام قوانين الاشتراكية الراقية والانتقال بها إلى الشيوعية.
جهاز استخدام قوانين التطور الاجتماعي
لقد جاء في أدبيات الفلسفية والاقتصادية أن مفهومي جهاز فاعلية وجهاز استخدام قوانين التطور الاجتماعي ليستا ذات معنى واحد، إن مفهوم جهاز فاعلية القوانين يعني الاتجاه الموضوعي لفاعلية القوانين، الي يمهد لا محالة لنفسه الطريق في آخر المطاف، وأما جهاز استخدام القوانين فيعني نشاطات الناس الواعية ورؤيتهم لهدفهم بوضوح وجلاء، وهم يقومون بهذه النشاطات طبقاً لمطالب القوانين، ويستحيل عليهم القيام بها بدون معارفهم التجريبية والنظرية بهذا الشكل أو ذاك.
ما معنى استخدام القوانين في التطور الاجتماعي
إن نفس هذا المفهوم يعبر عن موقف الإنسان المعين والعملي من فاعلية قوانين الطبيعة والمجتمع على السواء، وإن استخدام القوانين يعني أن الناس يخضعون هذه القوانين لخدمة مصالحهم في هذه الحالة أو تلك، ويرتكزون عليها في ممارستهم العملية.
ثم أن استخدام القانون مفهوم لا يعادل مفهوم اخضاع بسيط لفاعليته، فعلى أساس استخدام قانون الجاذبية العالمية، مثلاً، تم إقامة خط معلق من السكك الحديدية، حيث تتدحرج المكسحة إلى الأسفل تحت تأثير قوة الجذب، ويستخدم هذا القانون كذلك الرياضي الذي يتزحلق على الثلج، ومن المستحيل أن تبدو فاعلية هذا القانون بشكل آخر، عندما تجذب أكوام الثلج، مثلاً أحد هواة تسلق الجبال إلى هوة سحيقة، فمن غير المعقول بطبيعة الحال أن نتحدث عن استخدام القانون في هذه الحالة.
ولا بدّ من أن نأخذ بنظر الاعتبار كذلك أنه ليس في وسعنا أن نقول أن الناس يستخدمون القانون في كل موقف من مواقفهم منه، فمن الممكن أن يتجلى تأثير الناس على نتائج فاعلية القانون في مساعيهم الرامية إلى تجنب آثاره المخربة أو اضعافها، ولا يزال الإنسان في الظروف الراهنة من تطور التكنيك بعيداً من أن يخضع جميع القوى العفوية في الطبيعة لإرادته ويجعلها تخدم أغراضه، فعلى سبيل المثال أنه ليس في استطاعة الإنسان أن يمنع العمليات الجيولوجية، التي تسبب الهزات الأرضية، رغم أنه يتمكن من أن يتنبأ بها جزئياً، ويتخذ التدابير من أجل التقليل من التخريبات التي تسببها.
وهكذا نجد أنه من الممكن أن يتخذ موقف الإنسان من القوانين في الممارسة أشكالاً متنوعة ومتعددة، لا يحتويها كلها اصطلاح استخدام القوانين يستطيع الناس أن يرتكزوا على بعض القوانين ويستخدمونها في ممارستهم لنشاطاتهم ويعملون على توسيع مجال فاعليتها ويخلقون أبعاداً جديدة لها، كما أنه في وسعهم أن يقلصوا من مجال فاعلية البعض الآخر منها، ويتجنبوا أو يضعفوا آثارها التخريبية.
ثم أن استخدام القوانين يفترض دائماً قيام الفرد بنشاطات فعالة، حيث يستحيل استخدامها بدون هذه النشاطات، ومسألة أخرى مسألة مدى التغيرات العميقة التي تسببها هذه النشاطات في العلاقات الموضوعية، فتكيف الناس تكيفاً بسيطاً من مطالب للقانون بدون نشاطاتهم الفعالة يزيل الحدود بين استخدام الناس القوانين بصورة واعية وفاعليتها العفوية، التي تجذب الناس إليها كتيار العاصفة.
إن ما تتميز به الحياة الاجتماعية أن نشاطات الناس تتشابك بصورة مباشرة بأسلوب فاعلية قوانين التطور الاجتماعي، وأن هذه النشاطات ليست عاملاً خارجياً لهذه القوانين على الإطلاق، فإذا استخدمت قوى المجتمع الطليعية مثلاً قانون مطابقة العلاقات الانتاجية طبيعة ومستوى تطور القوى المنتجة، وارتكزت عليه في كفاحها من أجل إقامة النظام الاجتماعي الجديد، فإن هذا الكفاح نفسه يعبر عن فاعلية قوانين معينة للتطور الاجتماعي قانون صراع الطبقات مثلاً، ففي الحالة الأولى كانت القوى الطليعية قد استخدمت القانون، وفي الحالة الثانية كانت تنشط تبعاً لفاعلية قانون الصراع الطبقي.
قوانين التطور الاجتماعي في المجتمع الطبقي
غالبية قوانين التطور الاجتماعي في المجتمع الطبقي تفعل مفعولها من خلال الصراع بين الطبقات المختلفة، وذلك بخلاف قوانين الطبيعة، وﻷن استخدام القوانين الاقتصادية لصالح التقدم الاجتماعي في مجتمع الطبقات المتناحرة تتوقف على الصراع الطبقي، فإنه من المفهوم أن تناسب القوى الطبقية ومسيرة صراعها من شأنها أن يؤثرا تأثيراً قوياً على مواعيد القيام بالتحولات التي يتمخض عنها التاريخ.
ففي استطاعة الطبقات التي ولى زمانها أن تعرقل مسيرة التطور التاريخي فتقاوم وتتصدى، حيث أن مصيرها في آخر المطاف الهزيمة التي لا مهرب منها؛ ﻷنها تتحرك بخلاف القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي، فقوانين التاريخ تمهد لنفسها الطريق بقوة لا تلين ولا ترحم، مهما حاولت قوى المجتمع التي ولى زمانها أن تعترض هذه المسيرة، فإنه ليس في وسعها سوى عرقلة مسيرة الأحداث.
تتوقف امكانية استخدام قوانين تطور المجتمع على طائفة من الظروف التي تتكون تاريخياً، والتي من الممكن تقسيمها بصورة تقريبية إلى ظروف موضوعية وظروف ذاتية، إن الظرف الذاتي الذي لا بدّ منه لممارسة استخدام قوانين التطور الاجتماعي هو معرفة هذه القوانين أو على الأقل معرفة آثار فاعليتها المفيدة والمعينة في الممارسة.
ولا بدّ من التمييز بين المعرفة التجريبية والمعرفة التي تعتمد العلم أساساً في استخدام القانون، وعلى هذا الغرار تماماً يمكننا التمييز بين التنبؤ التجريبي الذي يعتمد على الحدس والتخمين أساساً له وبين التنبؤ العلمي، فالتنبؤ العلمي يتيح فرصة الانتقال من النشاطات في الحدس والتخمين إلى النشاطات التي تعتمد على حسابات علمية دقيقة.
ولهذا فإنه يستحيل علينا أن نوافق على ذلك الادعاء القائل أن القوانين الاقتصادية لم يجري استخدامها على العموم في التشكيلات التي سبقت التشكيلة الاشتراكية؛ ﻷن هذه القوانين كانت تفعل مفعولها بشكل عفوي، ويبدو لنا أن أصحاب هذا الإدعاء يفهمون استخدام القوانين الاقتصادية، باعتباره إخضاع القوانين العفوية لإشراف المجتمع.
من الطبيعي أن هذا الإشراف لا يصبح ممكناً إلا في ظل الاشتراكية، حيث أنه جرى استخدام القوانين في أشكال أخرى صغيرة وضيقة نسبياً قبل الاشتراكية، وحدث ذلك في ظل الرأسمالية كذلك، فالماركسية اللينينية، بخلاف نظرية المادية الاقتصادية المبتذلة، تقر بسيطرة القوى العفوية على الناس في التشكيلات التي سبقت التشكيلة الاشتراكية، حيث أنها لا تعتبر مطلقاً أن تاريخ مجتمع الطبقات المتناحرة هو مسيرة عفوية تماماً.
ولاستخدام قوانين التطور الاجتماعي لصالح المجتمع في الممارسة لا بدّ من وجود ظروف موضوعية إلى جانب الظروف الذاتية، في مقدمة هذه الظروف وجود قوى اجتماعية معينة قادرة على تحمل مسؤولية تنفيذ هذه المهمة، ووجود طبقات معينة إذا كان الحديث يدور عن المجتمعات الطبقية، من المستحيل استخدام قوانين التطور الاجتماعي لصالح المجتمع من خلال نشاطات الناس المتفرقة، فلهذا الغرض لا بدّ من وجود قوى اجتماعية منظمة، إن الطبقات الطليعية في المجتمع الطبقي هي التي تمثل هذه القوى، حيث أن مصالحها تنسجم ومصالح التقدم الاجتماعي إلى درجة كبيرة أو صغيرة، ولذا فهي قادرة على قيادة فئات الشعب الفقيرة إلى حدود معينة.