اقرأ في هذا المقال
أحداث حرب شارلمان مع بافاريا:
قام شارلمان بإعطاء الأمر إلى دوق بافاريا بحماية الحدود، وذلك بعد الحرب التي خاضها ضدهم وضد خاقان الآفار، وبعدما ما استولى على كنوزهم التي نهبوها من الدول المجاورة. واعتنقت بافاريا الديانة المسيحية قبل وقت قصير من حكم شارلمان، ودخلت في النظام العام لدولة الفرنجة، وتواجد فيها العديد من الكنائس والأديرة والمبشرين، وفي الحروب السكسونية أظهر “الدوق تاسيلو” بافاريا قدراً كبيراً من الشجاعة، وتمرد الدوق تاسيلو بعد سقوط الدولة اللمباردية، بتحريض من زوجته الأميرة اللمباردية؛ وذلك بسبب ضياع ملك أبيها ونفي أخاها، ولم يعد حينها تاسيلو يعترف بالولاء للملكة الفرنجة، فقام بعقد الجمعيات وإصدار القوانين.
وتم إسقاط شارلمان، وتم فصل رجال الدين عن كنيسة عن مملكة الفرنجة واتباعهم للبابا، ولما كان شارلمان مشغولاً بالحرب السكسونية، وقد لجأ البابا إلى استخدام نفوذه في الضغط عن تاسيلو، ونجح البابا في مهمته بمساعدة رجال الدين في بافاريا، وقام تاسيلو بتجديد ولاءه لشارلمان، وقام بتقديم الرهائن تاكيداً للتبعية، وعندما انتهت الحرب السكسونية، تبين لشارلمان أن هناك مؤامرات تحاك ضده، وأن تاسيلو قد تورط فيها، وخاف تاسيلو ولجأ إلى البابوية كي يتوسطوا له عند شارلمان.
إلا أن شارلمان أكد خيانة تاسيلو واقتنع البابا برأي شارلمان، وقام بتهديد قرار الحرمان ضد البافاريين، ما لم يخضعوا خضوعاً تاماً لشارلمان، وفي ظل هذا قرار الحرمان قام شارلمان بدعوة تاسيلو إلى اجتماع، إلا أن تاسيلو رفض الاجتماع؛ ممّا اضطر شارلمان لخوض حرب ضد بافاريا، إلا أن تاسيلو لم يستطيع دخول الحرب بسبب انفضاض البافريين من حوله؛ خوفاً من قرار الحرمان وخوفاً من جيوش شارلمان، وعند هذه اللحظة أعلن تاسيلو استسلامه وخضوعه وحضر إلى شارلمان.
وقام تاسيلو بتسليم دوقية بافاريا إلى شارلمان، وقد اكتفى شارلمان بهذا الإذلال، وقام بإرجاع دوقية بافاريا إلى تاسيلو، مقابل الولاء والتبعية، وقام تاسيلو بتقديم ابنته رهينة دليلاً على ولائه، إلا أن تاسيلو عاد إلى التمرد من جديد، وقام بطرد اتباع شارلمان من دوقية بافاريا، وأرسل إلى الآفار يطلب المساعدة منهم وخوض الحرب معه ضد شارلمان، وقد علم شارلمان بذلك، وقام بدعوة تاسيلو إلى اجتماع، وقام بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة.
الشؤون المالية في إمبراطورية شارلمان:
اهتم شارلمان بالشؤون المالية وقام بوضع ضوابط لعمله ونظاماً موحداً الموازيين والمكاييل، فقد كان قبل تولي شارلمان الحكم ما يقارب ستون داراً لسك النقود، فقام شارلمان بإلغاء العديد منها وأبقي القليل التي جعلها تحت إشراف الدولة، كما قام شارلمان بتغير قيمة العملة، حيث أصيح الجنيه الفضي يساوي عشرون شلناً، وانقسم الشلن إلى اثنى عشر بنساً، وقد احترم الجميع هذا النظام، وقد قام بنقش صورة شارلمان على العملة.
النهضة العلمية في عهد شارلمان:
كان العالم الإنجليزي “الكوين” على رأس الحركة العلمية في عصر شارلمان، وقد كان رئيساً لمدرسة يورك، وقد قام ألكوين بزيارة بلاط الإمبراطور شارلمان مرتين، وقد نجح شارلمان بإقناع ألكوين وضمه إلى خدمته، ووضعه مديراً مدرسة القصر الإمبراطوري، وقد كان لألكوين تأثير واضح في توجيه سياسة شارلمان التعليمية، وفي توجيه الحركة الأدبية في الإمبراطورية الكارولنجية جميعها؛ لأن الكوين كان مدرساً ومصلحاً للتعليم، وكما أصبح ألكوين مستشاراً للإمبراطور، والمرجع الأول والأخير في الكنيسة.
ولم يكن الكوين أديباً عبقرياً، وأنما كان مدرساً ونحوياً، وقد كان منهجه العلمي قائم على المنهج الكلاسيكي القديم، والذي يشتمل على الفنون السبعة، وهي: النحو، المنطق، الخطابة، الموسيقى، الحساب، الهندسة والفلك، وقد يفتقر عصرنا لهذا الطراز من المدرسين، وقد تمكن شارلمان بمساعدة الكوين، من جعل مدرسة القصر نموذجاً كبيراً للثقافة في أوروبا الغربية، كما أمر شارلمان الكوين بدراسة ومراجعة الكتب السماوية ومجموعة كتب الصلوات، ومن هنا نلاحظ أن الكوين الإنجليزي هو رائد حركة الإصلاح الديني في الإمبراطورية الكارولنجية.
وهذا الإصلاح الذي قامت عليه تأسست عليه طقوس الكنيسة في العصور الوسطى، وقد نشط الكوين وقام بإرسال جميع المخطوطات، وسرعان ما أصبحت مدرسة قصر الإمبراطور، مركزاً علمياً نشيطاً مراجعة المخطوطات وإعادة نسخها، وقد كان شارمان وزوجته الرابعة وأبناؤه مؤرخة ضمن مدرسة القصر، هم وغيرهم من أبناء الأسرة الكبيرة، وبذلك أصبحت مدرسة القصر عاملاً هاماً في الحياة القومية، كما شارك في تلك المدرسة الكثير من عامة الشعب، كما شجَّع شارلمان جميع الطوائف على الانخراط بمدرسة القصر، وكما كان يُعيّن النابهين منهم في الوظائف الإمبراطورية، وقد زاد الاهتمام بالكتب ونسخها خوفاً من ضياعها.