كانت الإمبراطورية الرومانية بين نظامين، حيث كان لا بُدّ لها الاعتراف بواحد، وهنا قام الحاكِم أغسطس بالتوفيق بين النظامين؛ أي أن يوفّق بين الزعامة العسكرية التي ورثها عن أسلافه، والتي أصبحت ضرورية في ظل المحافظة على الإمبراطورية الرومانية وأمنها ومصالحها العامة، وبين رغبة المواطنين الرومان في الاحتفاظ في مكانتهم الممتازة على الأقل في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، وإن لم يكن في الميدان السياسي.
الأحداث التي وقعت خلال حكم الإمبراطورية الرومانية:
نبذ أغسطس حكم قيصر المطلق، ولكنه ركز في يَد الإمبراطور، معظم السلطات التي اعتاد أن يباشرها كبار الموظفين في العصر الجمهوري، وبخاصة القيادة الحربية التي انتقلت من أيدي القناصل إلى يد الإمبراطور، حيث بقي السناتو محتفظاً بمكانته القديمة وهيبته، في ظل النظام الجديد، إلا أن سلطاته التشريعية والقضائية والإدارية أخذت بالتناقص بصورة واضحة، كما أصبحت تتكون من أعضاء يختارهم الإمبراطور، من مختلف أنحاء الإمبراطورية.
وذلك بعد أن كان في العصر الجمهوري، يمثل أقلية ممتازة محدودة؛ ممّا جعل الطبقة السناتورية تعتمد على أغسطس اعتماداً تاماً، وقد عاب بعض المؤرخين على الإمبراطورية الرومانية في أوائل عهدها، افتقارها إلى قانون وراثي ثابت يُنظّم وظيفة الإمبراطور، والتي كانت تعتبر ثغرة في النظام الروماني والتي كان من الصعب علاجها، حيث نلاحظ أن الإمبراطورية الرومانية في عصرها الأول، لم تكن مجرد إمبراطورية في قالب جمهوري فحسب، بل كانت استمرار للنظام الجمهوري السابق وامتداد له.
وقد تعذَّر معه وضع قانون وراثي ثابت للحكم، دون التخلص من هذا القناع الجمهوري، الذي استترت خلفه الإمبراطورية الرومانية الجديدة، فهذا كان من الضروري من الناحية السياسية أن تحافظ الإمبراطورية الرومانية بهذا المظهر الجمهوري في عصرها الأول، وذلك عندما كان أنصار التقاليد والمبادئ والجمهورية القديمة، ما زالوا يمثلوا أغلبية ذات نفوذ قوية في السناتو.
وقد بدأت الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث ميلادي تضعف ضعفاً واضحاً، وذلك عند انعدام النظام وتحكمت القوات العسكرية، في عزل الأباطرة وإقامة غيرهم بعد أن كان الجيش خادماً مخلصاً للإمبراطور، ولم تلبث الفرق الإمبراطورية في مختلف الولايات، إن أخذت تتحكم في اختيار قادتها وفق مشيئتها، وليس حسب وفق رغبة الإمبراطور والسناتو.
ممّا جعل الأباطرة وأعضاء السناتو في أيدي رجال الجيش، ولكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن أباطرة القرن الثالث، كانوا غير أكفاء، فقد أظهر أول الأباطرة العسكريين في ذلك القرن وهو سبتيموس سيفروس، مقدرة كبيرة، على الرغم من نزعته الاستبدادية، حتى أنه عهده يعتبر مرحلة تحول في تاريخ الإمبراطورية والنظم الرومانية جميعاً، كما يعتبر مرحلة تحول الإمبراطورية الرومانية، والنظم الرومانية جميعاً، وقد استطاع هذا الإمبراطور أن يؤسس أسرة قصيرة العمر، ظلت في الحكم حتى عام 235 ميلادي.
ومن أشهر أباطرتها كركلا، وبسبب القانون الذي منح به الجنسية الرومانية، لجميع أهالي الإمبراطورية من الأحرار، ويعود الفضل في ذلك إلى الإمبراطور سبتيموس سيفيروس في تأجيل الكارثة التي حلت بالإمبراطورية الرومانية، ويتضح نفوذ الجيش الروماني في ذلك الوقت ونظرة الأباطرة إلى رجال الجيش، في النصيحة التي قدمها الإمبراطور إلى أبنائه وهو على فراش الموت.
وقد تولى الإمبراطور ديكيوس منصب الإمبراطور، وقد بدأت سلسلة متصلة من الحلقات، من الأباطرة العسكريين، والذين أخذوا يتبادلون عما تبقى من مظاهر الحكم الجمهوري، حتى جعلوا من الجمهورية نظاماً استبدادياً، يعتمد على الجيش في تنفيذ مشيئة الإمبراطور، والضغط على أهالي الإمبراطور، وهكذا أمست الحاجة ملحة في الداخل، في إصلاح النظم الإدارية الخاصة بالولايات، فضلاً عن نظم الضرائب والعملة.
وأما في الخارج، فقد أخذ يتزايد ضغط الجرمان، وخاصة على جبهتي الراين والدانوب، في الوقت الذي زاد فيه الخطر على الولايات الآسيوية، وفي وسط تلك الفوضى العارمة والحروب الأهلية، التي عمت الإمبراطورية عقب انتهاء حكم أسرة سيفيروس في عام 235 ميلادي، حيث ظهر وقتها جندي دلماشيا من أصل متواضع، وهو الإمبراطور “دقلديانوس”، يقوم بتدارك الموقف ويعالج مشاكل الإمبراطورية في عزم والإصرار، فقام بإحداث ثورة ضخمة في نظم الحكومة الرومانية.
ممّا جعل عهده من أهم عصور تاريخ الإمبراطورية، ذلك أن جميع المتاعب الداخلية والخارجية التي واجهت الإمبراطورية في أواخر أيامها، وقد تزايدت المشاكل الداخلية في الإمبراطورية الرومانية، من مشاكل سياسية واقتصادية والإجتماعية والدينية، وأما في الخارج فقد اشتد خطر الفُرس والجرمان، واشتد خطرها على الحدود الإمبراطورية الرومانية؛ ممّا أدى إلى اضمحلال الإمبراطورية الرومانية ومن ثم سقوطها في القرن الثالث ميلادي.