خواص فاعلية القوانين الاقتصادية في ظل الاشتراكية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


تختلف القوانين الاقتصادية الاشتراكية اختلافاً جذرياً عن القوانين الرأسمالية سواء من ناحية مضمونها؛ لأنها تعبر عن علاقات إنتاجية جديدة، علاقات التعاون الأخرى والمساعدة المتبادلة الاشتراكية المتحررة من استغلال الإنسان للإنسان، أو من ناحية طبيعة فاعليتها.

خواص فاعلية القوانين الاقتصادية في ظل الاشتراكية

إن القوانين الاقتصادية في ظل الاشتراكية هي كالقوانين الاقتصادية في ظل الرأسمالية موضوعية في ظل الاشتراكية، مثلاً أنه في المجتمع الرأسمالي يجري توزيع وسائل الإنتاج والعمل بين فروع الاقتصاد بصورة عفوية من خلال فاعلية قانون المنافسة وفوضوية الإنتاج ومعدل الأرباح الوسطى وغير ذلك، بينما يجري هذا التوزيع في ظل الاشتراكية عن وعي ومعرفة وطبقاً لمطالب قانون تطور الاقتصاد الوطني تطوراً منسجماً وحسب برامج وخطط، وتبعاً لمطالب القانون الاقتصادي الأساسي، وغيرهما من القوانين الاقتصادية الموضوعية.

ولا يمكننا أن نفسر التغيرات التي طرأت على فاعلية القوانين الاقتصادية في ظل الاشتراكية بسبب واحد، أي بأن الناس قد عرفوا هذه القوانين وأخذوا يستخدمونها في نشاطاتهم الاقتصادية، من الطبيعي أن تكون معرفة القوانين الموضوعية واستخدامها في الممارسة شرطاً حتمياً لكبح جماح القوى العفوية وإخضاعها لاشراف الناس عليها.

حيث أن إمكانية استخدام القوانين وفاعليتها في الممارسة تعينها الظروف الموضوعية التي يعيش فيها الناس، ولهذا فإن تطور الاقتصاد الوطني لا يكف عن أن يكون مسيرة عفوية إلا حينما تحل القوانين الاقتصادية الجديدة، القوانين الاشتراكية التي تعبر عن العلاقات المتبادلة للمنتجين الذين توحدهم الملكية العامة على وسائل الإنتاج، محل القوانين الاقتصادية الرأسمالية، التي تعبر عن العلاقات المتبادلة بين المنتجين على أساس الملكية الخاصة.

ثم إن القوانين الاقتصادية في ظل الاشتراكية بطبيعتها تفترض نشاطات الناس الواعية، وإن قانون التطور المنسجم وحسب خطة بطبيعته يطالب المجتمع بأن ينظم عملية الإنتاج عن وعي ومعرفة، ففي حين يتطور اقتصاد المجتمع الرأسمالي بصورة عفوية، فإنه يستحيل أن يتطور الاقتصاد الاشتراكي بدون إدارة واعية.

من المعروف أن هناك بين المُحرّفين المعاصرين من يدعي أن الاشتراكية تتطور تطوراً عفوياً، ويعتبر أن مهام قيادة المجتمع تفضي إلى خلق ظروف تجعل فاعلية العفوية الاشتراكية خالية من أية رقابة أو إشراف، حتى أنهم طبقاً لهذه الآراء، يعارضون استعمال الاصطلاح بناء الاشتراكية، ويصرحون بأنه اصطلاح خاطئ.

إن هذه الأفكار في جوهرها تجعل الاقتصاد الاشتراكي يكتسب سمات يتميز بها اقتصاد الرأسمالية الذي يتطور بصورة عفوية، من المستحيل أن تتطور الاشتراكية تطوراً عفوياً، فالحقيقة أن الاشتراكية يجري بناؤها بكل ما في هذه الكلمة من معنى حقيقي، فإن طبيعة المجتمع الاشتراكي نفسها تجعل هذا المجتمع يظهر ويتطور بفضل النشاطات الواعية والمبرمجة التي تقوم بها الجماهير الكادحة.

من أين تنجم خاصية الاشتراكية في الاقتصاد الرأسمالي

تنجم قبل كل شيء من سيطرة الملكية العامة على وسائل الإنتاج، وعلى أساس هذه الملكية تصبح نشاطات ملايين الناس الواعية والمبرمجة ممكنة بل وحتمية، كما ويمكن توحيد جهودهم وطاقاتهم لتطوير الاقتصاد الاشتراكي.

المجتمع الاشتراكي والآثار الاجتماعية

إن المجتمع الاشتراكي قادر على مراعاة ليس الآثار الاجتماعية القريبة لنشاطاته الانتاجية فحسب، إنما والآثار الاجتماعية البعيدة أيضاً، ثم إن إخضاع الانتاج لتلبية الحاجات المادية والثقافية للمجتمع بأسره يعني أن تطوره يتحقق انطلاقاً من هدف يختلف اختلافاً مبدئياً عن كل أهداف الانتاج في كافة التشكيلات التي سبقت التشكيلة الاشتراكية.

فأصحاب المشاريع الرأسمالية لا يهدفون سوى إلى تلبية مصالهم الأنانية القريبة وإلى كسب أقصى الأرباح، مما يؤدي في آخر المطاف إلى تبذير الموارد الطبيعية والاجتماعية وتبذيراً وحشياً، وبالعكس من ذلك فالمجتمع الاشتراكي، بعد أن أخضع الانتاج لتلبية حاجات الشعب، توفرت لديه جميع الظروف لإدارة الاقتصاد بأكثر الأشكال فائدة، وهو يراعي ليست مصالح اليوم فحسب، إنما ومهمة الاسراع من تطوير الاقتصاد والثقافة في المستقبل بأقصى الدرجات.

وإن المنتج بمفرده في ظل الاشتراكية كذلك، الذي يعمل على تطوير عملية الانتاج في هذا الشكل أو ذاك، ليس في وسعه أن يراعي كلياً الآثار الاجتماعية لهذا التطوير، حيث أنه عدا عقل هذا المنتج هناك العقل الجماعي للشعب، الذي يجسده الحزب الشيوعي وهيئات الحزب القيادية والدولة، حيث تدرس بدقة واهتمام بوادر الجديد، التي هي من خلق الابداعات الشعبية، فتعمل على تطويرها وتعين الجماهير العريضة على إدراك أهمية هذه البوادر، ولذلك فإن عدد جماهير الشعب الغفيرة في ظل الاشتراكية الذي يرى آفاق تطور المجتمع يزداد شيئاً فشيئاً، وطبقاً لذلك تقوم هذه الجماهير بنشاطاتها الواعية وتمارسها.

إن الحياة دائماً أغنى من النظرية، فالوعي الاجتماعي، حتى إذا كان وعي فئات المجتمع الأكثر تقدمية، بكونه يعبر عن الوجود الاجتماعي، لا يحتوي هذا الوجود كاملاً، فإن القوانين التي اكتشفها علم الاجتماع لا تعبر سوى عن الاتجاهات الأساسية لتطور المجتمع، ولهذا فإنه من المفهوم أنه ليس في مقدور الناس في ظروف الاشتراكية أن يراعوا كآفة الآثار الاجتماعية البعيدة الناجمة عن نشاطاتهم الانتاجية اليومية.

حيث أن هذه الحقيقة لا تعني على الإطلاق أنه ليس في وسعهم إدارة مسيرة التطور الاقتصادي، فإن معرفة الاتجاهات الأساسية لتطور المجتمع تتيح لهم التحرك بشكل ملائم والسعي إلى تحقيق الأهداف المنشودة، وأن خطط تطوير الاقتصاد الوطني تعبر بشكل ملموس عن تلك الأهداف والمهام التي يطرحها أمامه المجتمع الاشتراكي، وإن خبرة تنفيذ هذه الخطط في الاتحاد السوفييتي والأقطار الأخرى من الأسرة الاشتراكية العالمية برهنت على أن المجتمع الاشتراكي المرسومة حسب برامج وخطط، ثم أن الممارسة قد برهنت كذلك على أن هناك إمكانية تقدير مواعيد بلوغ مستويات معينة من تطور الصناعة والزراعة.

وليس هذا فحسب، إنما والقيام بتحقيق التحولات الاجتماعية المرتبطة بهذا الأمر، فحينما ينفذ شغيلة البلاد السوفييتية مثلاً خطط تطوير الاقتصاد الوطني في الاتحاد السوفييتي يدركون أنهم يخطون خطوات جديدة إلى أمام في طريقهم نحو الشيوعية.

في السنوات الأولى من البناء الاشتراكي السلمي كان فلاديمير لينين يتحدث عن الفرصة التي تسنت لنا لتعيين مواعيد لا بدّ منها لاحداث تغيرات اجتماعية جذرية، باعتبارها فرصة من فرص التاريخ نادرة للغاية، فأشار إلى أننا نرى اليوم بجلاء ووضوح ما يمكننا القيام به خلال خمس سنوات، ومن أجل أي شيء نحن نحتاج إلى مواعيد أكثر من هذه بكثير، وأما اليوم فإن هذه التنبؤات لم تعد من التنبؤات النادرة في التاريخ، إنما أصبحت شرطاً حتمياً من شروط نجاح تطور الاشتراكية.

إن إدارة الاقتصاد تعبر عن المصالح العامة للشعب والدولة في ظل الاشتراكية، تجري عبر نضال شديد ضد مختلف أنواع المظاهر المعادية للدولة والتي تتسم بالنزعة المحلية أو تدافع عن المصالح الضيقة لمؤسسات منفردة، وليس من النادر أن نجد أن التقدم الفني يعرقله قسم من المسؤولين في مجالات الاقتصاد والميكانيك والهندسة بحكم آرائهم المحافظة وبقوة تعودهم على الأساليب القديمة للإنتاج وأدوات العمل، كما تجري عرقلته بسبب الثغرات التي يتسم بها نظام الحوافز الاقتصادية في مسألة إدخال الآلات والماكنات الجديدة.


شارك المقالة: