اقرأ في هذا المقال
تتميز قوانين التطور الاجتماعي عن قوانين الطبيعة ليس بمحتواها فحسب، إنما بطبيعة فاعليتها كذلك، إن خواص قوانين التطور الاجتماعي تنجم قبل كل شيء عن تلك الحقيقة القائلة أن قوانين التطور الاجتماعي هي قوانين نشاطات الناس، ولا يمكن تطبيقها سوى من خلال نشاطات الإنسان، نحن نتحدث هنا طبعاً عن نشاطات الناس الجماعية.
خواص فاعلية قوانين التطور الاجتماعي ومعرفتها
من أجل معرفة قوانين التطور الاجتماعي لا بدّ من وضع أساليب لتعميم النشاطات تبدأ من الفرد أي أفعال بعض الأفراد التي هي في غاية التنوع والتي تبدو وكأنها غير قابلة للتصنيف، وتنتهي بالجماعة أي أفعال تقوم بها جماعات كبيرة من الناس وطبقات وشعوب وغيرها.
وأشار فلاديمير لينين بهذا الصدد إلى أن هذا الأمر يطابق المسيرة العامة لمعارف الإنسان، إن حصر الفرديات في قوانين عامة ومعروفة كان قد تم بالنسبة للعالم الطبيعي منذ زمان بعيد، وأما بالنسبة للميدان الاجتماعي فلم تقم قوانين ثابتة وراسخة إلا بظهور نظرية كارل ماركس.
كان حل هذه المهمة بالنسبة للعالم الطبيعي أبسط، ﻷن قوانين هذا العالم تعبر عن روابط وتفاعل قوى الطبيعة العمياء وغير الواعية، وأما بالنسبة إلى العالم الاجتماعي فإن هذه المهمة في غاية التعقيد، ﻷن فاعلية القوانين الاجتماعية تتضمن نشاطات الناس الواعية والهادفة، باعتبار ذلك شرطاً من الشروط الحتمية، ولهذا فإن قوانين التطور الاجتماعي هي قوانين أفعال الناس الاجتماعية الخاصة بهم.
فبأية طريقة يمكن حصر أفعال جماهير كبيرة من الناس، تتميز بفرديتها، بقوانين عامة ومعروفة تخضع لها هذه الأفعال وتحتويها؟ من البديهي أن هذه العملية تجري موضوعياً في الحياة الاجتماعية نفسها؛ ﻷنه بخلاف ذلك من المستحيل تعميم الأفعال الفردية حتى تشمل الأفعال الجماعية في مسيرة معرفة المجتمع.
وللإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من العودة إلى أن المصالح هي قوة محركة للناس ومصدر لدوافعهم وأهدافهم، وكان على حق من قال أن المصالح تحرك حياة الشعوب، ولذا فإن دراسة المصالح تتيح لنا إمكانية معرفة القوى المحركة لتطور المجتمع وقوانينه، وبهذا الصدد أشار فريدريك إنجلز إلى أن بحث الأسباب المحركة التي تنعكس بصورة بواعث واعية في عقول الجماهير أثناء نشاطاتهم وعقول زعمائهم، الذين يطلق عليهم الرجال العظام، بغض النظر عن الأشكال التي تبدو فيها، سواء كانت واضحة أو غير واضحة، مباشرة أو أيديولوجية، وحتى خيالية، إن هذا البحث هو السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى معرفة القوانين المتحكمة في التاريخ بصورة عامة، أو في مراحل معينة منه أو في بلدان منفردة.
أهمية المصالح لفاعلية القوانين الاجتماعية
إن المصالح هي الحلقة اللازمة لفاعلية القوانين الاجتماعية، وبهذا الصدد نقول أنه ينبغي أن نفهم المصالح بمعناها الواسع، وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية ﻷن الحديث يدور هنا عن القوانين الاقتصادية، ولكن ليس المصالح الاقتصادية فحسب، إنما المصالح السياسية كذلك ومصالح أخرى، كمصالح الأفراد والجماعات والطبقات والمجتمع وغيرها، وإن تشابك هذه المصالح وتعارضها وحدتها وتناقضها، تعين نتيجة معقدة ومتعددة الأشكال، ألا وهي الحدث التاريخي.
من البديهي أن لا تستنفد الخاصية التي كل الفروقات بين طبيعة فاعلية القوانين الاجتماعية والقوانين الطبيعية، فهناك قضايا أخرى يتطلب بحثها بشكل خاص كقضايا أشكال فاعلية القوانين الاجتماعية، وهل ننسبها إلى القوانين الاحصائية أو إلى القوانين الديناميكية، وهل هي قوانين كل الأحداث الفردية أم قوانين شاملة، وهل نقسمها إلى قوانين علم توازن القوى الاستاتيكا وإلى قوانين علم الديناميكا، وهل هي تؤدي ظائف معينة أم هي قوانين للتطور.
إن الناس تعلموا اكتشاف قوانين الطبيعة المحيطة بهم قبل فترة زمنية طويلة جداً من اكتشافهم لقوانين حياتهم الاجتماعية، من الممكن أن نفسر ذلك بكل بساطة بتلك التعقيدات التي تتسم بها حياة المجتمع، مما لا شك فيه أن هذه الحياة من أعقد مجالات الظواهر، ولا يمكن أن تقاس حتى بعلم الأحياء، مثلاً أن بيّن أن الأمر لا ينحصر بهذه الحقيقة فقط، لا بدّ أن نراعي أيضاً خواص معرفة قوانين التطور الاجتماعي والظروف التاريخية التي أصبح من الممكن اكتشاف هذه القوانين فيها.
إن معرفة القانون تتطلب التعميم، والتعميم ينجم عن طبيعة القانون نفسه، وأن أهم الخواص التي يتميز بها القانون هي خاصية التعميم، وأن معرفة الإنسان للعالم المحيط به بواسطة الحواس قادرة بطبيعته أن تعطيه تصوراً سليماً وموضوعياً عن الأشياء والظواهر، والسمات التي تتميز بها، حيث أن المعرفة الحسية لا تكون سوى المرحلة الأولى في معرفة الحقيقة، وهي لا تكفي لاكتشاف قوانين تطور الطبيعة والمجتمع، ثم إن معرفة الإنسان لا تتوقف عند مرحلة الإدراك بحواسه، التي لا تتيح امكانية احتواء الظاهرة بصورة عامة، ولا تمكن من اكتشاف جوهرها.