دراسة الرضاعة الطبيعية وعلاقتها بسوء التغذية في الأنثروبولوجيا الطبية البيئية

اقرأ في هذا المقال


دراسة الرضاعة الطبيعية وعلاقتها بسوء التغذية في الأنثروبولوجيا الطبية البيئية:

يرى علماء الأنثروبولوجيا الطبية البيئية إنه في الأشهر الأربعة إلى الستة الأولى بعد الولادة، عادة ما تكون الرضاعة الطبيعية كافية لتغذية الرضع، وبعد ستة أشهر، يظل مكملاً بروتينيًا مهمًا لنظام غذائي يحتوي على أطعمة أخرى، وواحدة من أكثر التغييرات الكبيرة في تغذية الإنسان التي حدثت في المجتمع الصناعي كانت التحول من الرضاعة الطبيعية إلى الرضّاعة في تغذية الرضّع، ومن المفارقات أن هذا التغيير له القدرة على المساهمة في كلا النوعين من سوء التغذية كالسمنة والنقص.

لأن الإفراط في التغذية يكون أسهل عند الرضاعة من الزجاجة، إذ يمكن أن تبدأ السمنة في سن الطفولة، ولكن حيث تفتقر الأسر الفقيرة إلى الصيغة النقدية لشراء الحليب، قد يخففون إعطاءه، مما يؤدي إلى نقص طاقة البروتين، إذ بدأ تراجع الرضاعة الطبيعية في الدول الأوروبية منذ ثلاثة قرون، حيث استأجرت النساء الثريات ممرضات رطب لإرضاع أطفالهن، وقامت الممرضات بتسليم أطفالهن إلى مستشفيات اللقطاء، وهناك كان الأطفال يتغذون على حبوب مطبوخة في الماء وتوفي الكثير منهم.

حيث لم ينتشر استخدام حليب البقر إلا في وقت لاحق، وعندما يكون الحليب المعلب والمجفف اصبح متوفراً، يحتوي على نسبة عالية من البروتين مقارنة بالحليب البشري وتوازن مختلف بين الأحماض الأمينية المختلفة والأحماض الدهنية التي يحتوي عليها الحليب، وقد يعاني بعض الأطفال من حساسية من حليب البقر أو صعوبة في هضمه؛ لأن حليب البقر يتكيف مع الاحتياجات الغذائية للعجول سريعة النمو، وليس البشر.

وبحلول عام 1966، وصلت الرضاعة الطبيعية إلى أدنى مستوياتها في الدول العظمى، فقط تم إرضاع 18 في المائة من الأطفال الرضع عند مغادرة المستشفى، ثم عكس الاتجاه نفسه، مع المتعلمين والدخل المرتفع النساء في الدول الغربية تقود التغيير، ففي عامي 1993 و1994 كان 60 في المائة من الأطفال يرضعون من الثدي، وبحلول عام 2005 إلى 2006، كانت معدلات الرضاعة الطبيعية ارتفعت إلى 77 في المئة، واستمر العثور على أدنى معدلات الرضاعة الطبيعية بين الأسر ذات الدخل المنخفض، والأمهات الأصغر سنًا.

انتشر صعود الرضاعة الطبيعية التي بدأت في البلدان الصناعية إلى البلدان ذات الدخل المنخفض في الستينيات والسبعينيات، مشيراً إلى التهديد الذي تتعرض له مبيعات التركيبة التي طرحتها العائلات الصغيرة وزيادة الرضاعة الطبيعية، حيث تحولت شركات الأغذية والأدوية المتعددة الجنسيات إلى أسواق جديدة في آسيا، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وذلك من خلال التسويق المكثف في الدعاية والإعلان وتوزيع العينات في المستشفيات ينشرون رسالة الرضاعة بالزجاجة هي الطريقة الحديثة عالية المستوى لإطعام الأطفال.

وفي بعض البلدان وتيرة التغيير كان هائلاً، ففي عام 1960، كانت 95 في المائة من الأمهات في تشيلي يرضعن  أطفالهم من الثدي بعد السنة الأولى، وبحلول عام 1969، لم يفعل ذلك سوى 6 في المائة، وفي بلدان مثل تايلاند، كانت النساء يدخلن سوق العمل الصناعي دون سياسات لدعمهن في الرضاعة الطبيعية، ولكن مدن مثل نيروبي، وكينيا لم ينجح تسويق زجاجة الرضاعة، حيث قلة من النساء كان لديهن وظائف.

الرضاعة الطبيعية لها العديد من الآثار الهامة على صحة الأطفال:

انتشار الرضاعة الطبيعية له العديد من الآثار الهامة على صحة الأطفال سواء أطفال الأسر الفقيرة في الدول الغنية أو الفقيرة، فإذا كانت الزجاجة تحتوي فقط على ماء الأرز أو الشاي أو ماء السكر أو تركيبة مخففة بشدة فهي توفر القليل من العناصر الغذائية، وقد يتم ذلك لأن الحليب يعتقد أنه أيضًا قوي للرضع أو بسبب ندرة المال، بينما الأم المرضعة تحتاج إلى طعام وسوائل إضافية إذا كان مخازنها الغذائية غير كافية، فعادة ما تكون الأطعمة للبالغين أقل تكلفة من الحليب أو الحليب الصناعي.

والرضاعة بالزجاجة تزيد من خطر العدوى من المياه الملوثة أو الحليب مع تقليل المقاومة في نفس الوقت، والتهاب المعدة والأمعاء، وهو سبب مهم للمرض والموت عند الرضع والأطفال الصغار في العديد من البلدان، إذ يحتوي لبن الأم على عوامل مناعية توفر الحماية من العدوى والأورام الخبيثة في مرحلة الطفولة، ولا يتمتع الأطفال الذين يرضعون بالزجاجة بهذه الميزة، كما يفيد صحة الأم والعلاقة النفسية بين الأم والطفل، أما إذا كانت الأم تتناول بعض الأدوية فمن المحتمل أن تفوق مخاطر الرضاعة الطبيعية.

الجهود المبذولة لتشجيع الرضاعة الطبيعية تسدد نفسها بشكل كبير من حيث أمراض الرضع وتكاليف الرعاية الصحية، فعالمة الأنثروبولوجيا الطبية آن رايت عملت مع فريق قام بتقييم تأثير الترويج للرضاعة الطبيعية من خلال برنامج في مستشفى الخدمات الصحية في شيبروك، أريزونا، وتضمنت المداخلة إعلانات الخدمة العامة، وفيديو ولوحة إعلانية وقمصان أطفال مجانية، وخلال البرنامج، زادت معدلات الرضاعة الطبيعية من 16.4 إلى 54.6 في المائة، وأشارت السجلات الصحية إلى انخفاض كبير في الالتهاب الرئوي والتهاب المعدة والأمعاء عند الرضع.

علاقة الفطام بصحة الرضع:

يرى علماء الأنثروبولوجيا الطبية البيئية أن الفطام هو وقت حرج لصحة الطفل لأن التغذية غير الكافية، والعدوى، والضغط النفسي تتفاعل بشكل متآزر، مما يضخم الآثار لكل واحد، حيث أن نزح الطفل من ثدي أمه بولادة شقيقه ليس أقل ضغط من مسؤول تنفيذي مضغوط أو مسافر متهور، حيث تزيد العدوى من الحاجة إلى بعض العناصر الغذائية، مثل البروتين، وفي نفس الوقت ومع مرور الوقت، تقلل التهابات الجهاز الهضمي من قدرة الجسم على امتصاص هذه العناصر الغذائية، وقد تنخفض الشهية.

وعندما يتغذى الطفل بشكل هامشي، قد تدفعها نوبة مرض معدي إلى سوء التغذية التام، وعند وقوعه في حلقة مفرغة، يكون الطفل الذي يعاني من سوء التغذية أقل مقاومة للعدوى بسبب ضعف إنتاج الأجسام المضادة، فالتهاب المعدة والأمعاء هو من أهم الالتهابات التي تتفاعل مع سوء التغذية عند الصغار الأطفال، لدرجة أنه يطلق عليه اسم الإسهال المفطم، وأمراض مثل مثل الحصبة وجدري الماء التي عادة ما تكون تافهة في الطفل الذي يتغذى جيدًا وقد تكون قاتلة لطفل يعاني من سوء التغذية.

والأطفال في المجتمعات الفقيرة ليسوا جميعًا معرضين بشكل متساوٍ لخطر سوء التغذية أو الموت، حتى في مجتمع حضري فقير في دولة غرب إفريقيا في مالي، حيث يعاني العديد من الأطفال من سن ستة إلى ثلاثين شهرًا من سوء التغذية، لا يزال الأطفال الآخرين يزدهرون، ومواقف الأمهات تجاه إطعام الأطفال هي من بين المتغيرات التي يبدو أنها تحدث أكبر قدر من الاختلاف.

ووفقًا لملاحظات عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية كاثرين ديتويلر عام 1986، ازدهرت في مالي أولئك الأمهات الدارجين الذين حرصوا على أن يكون الطفل حاضرًا في وجبات الطعام، بدلاً من القيلولة أو اللعب، وقاموا بإعداد وشراء أطعمة خاصة للطفل، كما حرصوا على نقل طفل مريض إلى الطبيب وتناول الأدوية.


شارك المقالة: