دور بنية الأسرة في ظهور الجريمة

اقرأ في هذا المقال


وجدت العديد من الأبحاث دليلًا على وجود صلة ثابتة بين طلاق الوالدين وهيكل الأسرة مع التورط في السلوك المنحرف، وقد طور الخبراء العديد من النماذج والتحليلات النظرية التي تربط بنية الأسرة وعلاقاتها وطرق التربية والسلوك الأبوي بالجنوح اللاحق والجريمة اللاحقة، ومن هنا لا بد من تسليط الضوء على هذا الجانب للحد ومكافحة الجريمة.

الاضطراب الأسري وظهور الجنوح

كانت هناك زيادة كبيرة في العديد من أنواع مشاكل المراهقين منذ منتصف الستينيات، فمعدلات جرائم المراهقين وتعاطي المخدرات والانتحار والتسرب من المدرسة وحمل المراهقات على سبيل المثال وأظهرت جميعها نموًا كبيرًا، ولذلك لاحظ بعض العلماء أنّ ارتفاع مشاكل الأطفال والمراهقين يوازي الزيادة في حالات الطلاق والمعاشرة والولادات للأمهات غير المتزوجات التي حدثت في العقود الأخيرة.

في الواقع أفادت العديد من الدراسات وجود ارتباطات قوية بين نسبة الأسر التي تعولها نساء والسلوك المعادي للمجتمع المراهقين والبالغين، ففي معظم هذه الدراسات يكون تأثير بنية الأسرة بنفس القوة أو أقوى من المتغيرات مثل الفقر أو العرق، ووجدت الأبحاث التي أجراها روب سامبسون على سبيل المثال أنّ معدلات الإيذاء العنيف أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات بين سكان الأحياء ذات المستويات العالية من الاضطراب الأسري.

بنية الأسرة ودورها في ظهور الجريمة

على الرغم من أنّ بنية الأسرة هي عامل خطر لمشاكل سلوك الطفل، فمن الصحيح أيضًا أنّ هناك تباينًا كبيرًا في النتائج بين الأطفال من العائلات ذات العائل الوحيد والأسر الربيبة، وتشير الأدلة إلى أنّ غالبية هؤلاء الأطفال لا يظهرون مشاكل سلوكية، وفي الواقع تزداد معدلات مشاكل السلوك هذه من 5٪ بين الأطفال من العائلات النووية السليمة إلى 10٪ إلى 15٪ من الأطفال من أسر وحيدة الوالد أو العائلات المطلقة، والغالبية العظمى من الأطفال من أسرة وحيدة الوالد أو الأسرة الربيبة لا يعانون من مشاكل السلوك، ومن ثم فإنّ مثل هذا التوقع قد يكون خاطئًا في كثير من الأحيان.

عادة ما يتطلب التنبؤ الدقيق بالأفراد الأكثر عرضة لعامل خطر معين معرفة الآليات التي تنتج بها الحالة آثارها الضارة، وبالتالي إذا أردنا تحديد الأطفال من العائلات ذات الوالد الوحيد أو الزوج أو الزوجة الأكثر عرضة لخطر مشاكل التكيف، فنحن بحاجة إلى معلومات بشأن الطريقة التي تزيد بها بنية الأسرة من احتمالات تعرض الطفل لمشاكل في النمو، وتشير الأبحاث إلى أنّه إلى حد كبير فإنّ الإجهاد الأسري والأبوة المعطلة يفسران الأطفال الذين من المحتمل أن يظهروا مشاكل سلوكية.

تعدد بنية الأسرة داخل مجتمع محدد في ظهور الجريمة

بالنظر إلى أنّ أشكال الأسرة المتنوعة هي سمة حتمية للمجتمع الأمريكي، فهناك بعض الجدل المرتبط بإجراء بحث حول عواقب الاختلافات في هيكل الأسرة، فغالبًا ما تستخدم نتائج مثل هذه الأبحاث من قبل الجماعات السياسية التي تعارض التنوع والمساواة بين الجنسين، كما أنّ معظم الآباء الذين يطلقون الطلاق يفعلون ذلك بلا شك كملاذ أخير ورفاهية أطفالهم مصدر قلق كبير لهم، واقترح بعض الناس أنّ إجراء بحث عن هذه العائلات يسلط الضوء على مشاكلهم قد يبدو قاسيًا في ضوء الصعوبات الأخرى التي يواجهونها.

على الرغم من أهمية هذه القضايا، إلّا أنّ العلوم الاجتماعية تهتم بوصف وشرح الواقع التجريبي، ومن ثم فمن الضروري أن نبذل قصارى جهدنا كعلماء لتجنب إنكار أو تشويه الحقائق بسبب القيم الشخصية أو الأيديولوجية، ومثل هذا الالتزام ليس فقط في مصلحة العلم، ولكن أيضًا هو النهج الذي من المرجح أن يفيد المجتمع، وأثبتت الأبحاث بوضوح وجود صلة بين بنية الأسرة وارتفاع مخاطر مشاكل النمو، وهذا التأثير متواضع للغاية ويبدو أنّه يمكن تفسيره إلى حد كبير من خلال حقيقة أنّ الضغوط المرتبطة بالوالدين الوحيدين والآباء المطلقين والأسرة الزوجية تميل إلى المساومة على جودة الأبوة التي يتلقاها الأطفال.

معاملة الوالدين السيئة والجنوح

يشير سوء المعاملة إلى جودة الرعاية التي يتلقاها الطفل من المسؤولين عن الطفل، وتحدث إساءة المعاملة عندما يقوم أحد الوالدين أو أي شخص آخر مسؤول قانونيًا عن رعاية الطفل بإيذاء طفل أو يعرض الطفل لخطر وشيك للضرر، وذلك من خلال عدم ممارسة الحد الأدنى من الرعاية في تزويد الطفل بأي مما يلي: الطعام أو الملبس أو المأوى أو التعليم أو الرعاية الطبية عندما يكون قادرًا على القيام بذلك ماليًا، ويمكن أن ينتج سوء المعاملة أيضًا عن التخلي عن الطفل أو عدم توفير الإشراف المناسب للطفل، وقد يتعرض الطفل لسوء المعاملة إذا شارك أحد الوالدين في الاستخدام المفرط للمخدرات أو الكحول بحيث يتعارض مع قدرته على مراقبة الطفل بشكل مناسب.

أثبتت الأبحاث السابقة أنّ هناك ميلًا للبالغين لتكرار الإساءة التي تعرضوا لها عندما كانوا طفلين، وغالبًا ما تسمى هذه الظاهرة دورة العنف، وعلى الرغم من أنّ معظم ضحايا الإساءة في مرحلة الطفولة لا يستمرون في الإساءة إلى أبنائهم، إلّا أنّهم أكثر عرضة بنسبة 10 إلى 15 مرة لأن يكونوا آباء مسيئين مقارنة بالأشخاص الذين لم يتعرضوا لأبوة مسيئة، ويتضمن التفسير الأكثر شيوعًا لهذه النتيجة فكرة النمذجة من نظرية التعلم الاجتماعي، ومن المفترض أن الأطفال يلاحظون سلوك والديهم ويعتبرونه سلوكًا أبويًا طبيعيًا أو نموذجيًا، وفي وقت لاحق عندما يبلغون سن الرشد من المحتمل أن يستخدموا نصوص الأبوة والأمومة هذه بطريقة انعكاسية وغير متوقعة عند تربية أطفالهم.

في الآونة الأخيرة جادل بعض العلماء إلى حد كبير على أساس عمل علماء الجريمة من أجل تفسير بديل لدورة ظاهرة العنف، ويجادل هؤلاء الباحثون بأنّ الأبوة والأمومة المسيئة تعزز توجهًا عامًا معاديًا للمجتمع بدلاً من مجرد تعليم نهج مختل في الأبوة والأمومة، ويُنظر إلى الأبوة والأمومة المسيئة على أنّها تزيد من فرص أن يكبر الشخص للانخراط في مجموعة متنوعة من السلوكيات الإجرامية والمنحرفة، بما في ذلك ممارسات الأبوة القاسية والمسيئة، وعلاوة على ذلك هناك أدلة على أنّ الذكور الذين كانوا ضحايا الممارسات الأبوية القاسية معرضون بشكل متزايد لارتكاب عنف الشريك الحميم والإكراه الجنسي.

وجهتا النظر هاتان تقترحان صورًا مختلفة جدًا للوالد المسيء، ومنظور النمذجة يصور الجناة كمواطنين عاديين وتقليدي من جميع النواحي باستثناء سلوكهم التعسفي، ومن ناحية أخرى يجادل العلماء الذين يدعمون وجهة نظر التوجه المعادي للمجتمع بأنّ معظم الآباء المسيئين بعيدون عن كونهم عاديين، بل بدلاً من ذلك من المرجح أن يكون لدى الآباء الذين ينخرطون في ممارسات تعسفية شديدة تاريخ من التورط في مجموعة واسعة من السلوكيات الإجرامية والمنحرفة أيضًا، وسيتعين علينا انتظار البحث في المستقبل لتحديد وجهة النظر الأكثر صحة.


شارك المقالة: