طبيعة الخلاف بين الاتجاهات السوسيولوجية عند ألفن جولدنر في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


طبيعة الخلاف بين الاتجاهات السوسيولوجية عند ألفن جولدنر في علم الاجتماع:

لا شك أن الدارس الاتجاه الماركسي في علم الاجتماع يدرك فوراً طبيعة الخلفية الأيديولوجية الموجهة لفكر أنصار بنظام الدولة ويلتزمون بأساسيات النظرية الماركسية، حقيقة هناك بعض الاتجاهات السوسيولوجية المستحدثة في علم الاجتماع في الاتحاد السوفيتي مثل تزايد الاعتماد على الدراسات الميدانية الإمبيريقية.

وظهور بعض محاولات لإعادة فحص النظرية المادية التاريخية على أساس أنها وليدة القرن التاسع عشر، فهل تصلح لتفسير مجتمع نهاية القرن العشرين وما بعده؟ ولكن علم الاجتماع في شرق أوربا والاتحاد السوفيتي يلتزم حتى الآن بالعلم الاجتماعي البروليتاري وبالمادية التاريخية كأطار نظري موجه للأبحاث الإمبيريقية، كما يمدهم بالأساس اللازم لتفسير النتائج.

ويشير جولدنر إلى أن التغيرات والاختلافات الأساسية بين النظريات السوسيولوجية، أو بين علم الاجتماع الغربي وعلم الاجتماع الماركسي، لا تتمثل في اختلاف الأساليب البحثية أو المنهجية، بقدر ما تكمن في طبيعة الأطر أو المشروعات التصورية، أو في أسلوب رؤية كل باحث للإنسان والمجتمع والتاريخ، أو في منظور الرؤية وخلفيات هذا المنظور.

فعلماء الاجتماع الغربي والشرقي يستخدمون نفس الأساليب المنهجية أو البحثية، ولكنهم يصلون من خلالها إلى نتائج مختلفة، ويرجع هذا الاختلاف إلى طبيعة الفروض والمنطلقات النظرية الموجهة لاختيار موضوع البحث وعينته وتفسير نتائجه.

ويؤكد جولدنر أن أغلب النظريات السوسيولوجية المعلنة ذات طابع فلسفي، بمعنى أنها ليست سوى تبريرات عقلية لبعض الفروض الخلفية التي يقتنع بها الباحث، مما يهدم قضية الموضوعية في علم الاجتماع كلية.

وقد كشف المسح القومي الذي اجراه كل من جولدنر وسبريه والذي استهدف الكشف عن آراء علماء الاجتماع في أمريكا عن العديد من الفروض الخلفية الموجهة لأبحاثهم ونظرياتهم السوسيولوجية، فقد تضمن هذا المسح مجموعة من الأسئلة القادرة على الكشف عن تلك الفروض، مثل تصور العلماء لدورهم في المجتمع، ورأيهم في قضية الموضوعية في علم الاجتماع أو خلوه من القيم، ورأيهم في بعض النظريات والأساليب البحثية المعينة، وفي علم الاجتماع كعلم.

كذلك حاول المسح الوقوف على اتجاهات علماء الاجتماع تجاه بعض القضايا مثل الاعتقاد في عقلانية الناس، وامكان التنبؤ بسلوكهم، ومدى حاجة المشكلات الاجتماعية إلى التدخل المخطط من قبل الإنسان لمواجهتها، أو ما إذا كانت سوف تنتهي تلقائياً مع مضى الوقت، وحول الحقائق النهائية للحياة، هل تكمن في الوحدة أم الاختلاف؟ وما هو الموضوع الذي يستحق أهمية أكبر لدى علماء الاجتماع، هل هو محاولة تفهم الإنسان والمجتمع أم محاولة تغيرهما.

وعلى الرغم من اتساع مجال هذه الأسئلة، إلا أن علماء الاجتماع أجابوا عليها بطريقة تكشف لنا عن اقتناعهم بمجموعة من العقائد غير المبرهن عليها في مجالات متعددة كالإنسان والمجتمع والعالم والجماعات والمستقبل.

عوامل تؤثر في تشكيل الباحث السوسيولوجي عند ألفن جولدنر:

1- واقع الدور:

وهي مجموعة من الحقائق التي يقبلها الباحث نتيجة ﻷنها محصلة أبحاث غيره من الباحثين، ويخضع تقبل الباحث لهذه الآراء لعامل انتقائي، حيث أنه عادة ما يقبل ﻵراء والنتائج التي تتفق مع فروضه الخلفية أو مع معتقداته السابقة.

2- الواقع الشخصي:

وهو أمر لا يتعلق بالأبحاث وإنما يتعلق بالمعتقدات الشخصية لدى الباحث والتي لا يخضعها للشك المنهجي كما يفعل بالنسبة لقضايا العلمية.

وهناك تفاعل مستمر بين هذين العاملين، فالواقع الشخصي يؤثر بشكل مستمر على واقع الدور أو على طبيعة النظريات المطروحة في التراث والتي يقبلها الباحث، ويذكر جولدنر أن محاولة البحث عن الأساس الأسفل لنظرية سوسيولوجية معينة لا تتحقق بمجرد ارجاع تلك النظرية إلى أساسها السيكولوجي لدى الباحث.

ولكنها تتحقق بمحاولة ربط تلك النظرية بالواقع الاجتماعي للباحث، وهي بهذا محاولة للأخذ بمبدأ الواقعية الإمبيريقية، وهو أمر يتفق مع التقاليد السوسيولوجية ذاتها، والتي تحاول فهم الأفكار كظواهر داخل الأبنية الاجتماعية الكلية.

ويضرب لنا جولدنر مثالاً على ذلك بتأثر فيبر في نظريته عن البيروقراطية بعدة عوامل منها تجربته التاريخية وخبرته المباشرة بالبيروقراطية الألمانية، خاصة البيروقراطية الحكومية، فهذه البيروقراطية الأخيرة كانت تشكل بالنسبة له واقعاً شخصياً للطراز المركزي لكل البيروقراطيات الأخرى.

كذلك فإنه لا يمكن لنا فهم نظرية مالينوفكسي في السحر وأسباب اختلافها عن نظرية براون بعيداً عن فهم الواقع الشخصي الذي عاشه كل منهما في تجربته الفريدة في التروبرياند والأندمان على التوالي.

وعلى الرغم من أن مالينوفكسي ركز على السحر المتعلق بالعمل والحصول على الرزق بينما ركز براون على السحر المتعلق بميلاد الأطفال إلا أن كلاً منهما حاول تعميم تجربته واعتبرها نموذجاً للسحر.

ويكشف جولدنر عن محاولات التزييف العلمي في علم الاجتماع الغربي، ويضرب عدة أمثلة على هذا التزييف باستخدام بعض الوسائل المنهجية الخادعة، فالكتاب الذي أخرجه بارسونز بعنوان علم الاجتماع الأمريكي، مليء بمثل هذه الخدع العلمية التي تكشف عن فروض خلفية أو توجيهات أيديولوجية واضحة.


شارك المقالة: