طبيعة علم الاجتماع كنظام علمي عند الفين جولدنر

اقرأ في هذا المقال


طبيعة علم الاجتماع كنظام علمي:

هناك خلاف بين الباحثين بشأن تحديد الخصائص المميزة لهذا العلم، حيث يحاولون بعض الباحثين التركيز على المنهج، بينما يركز آخرون على الموضوع، ويؤكد أنصار الرأي الأول أن منهج الدراسة في علم الاجتماع واستخدام الأسلوب الإمبيريقي في الدراسة، هو الذي يضفي على هذا العلم طابع العلمية والموضوعية، ويعارض جولدنر هذا الرأي اعتماداً على حقيقتين أساسيتين.

الحقائق التي تعارض طبيعة علم الاجتماع كنظام علمي عند جولدنر:

1- أن هناك خلافاً قائماً بين علماء الاجتماع حول مدى امكان تطبيق المنهج العلمي بالمفهوم الطبيعي، عند دراسة قضايا الإنسان والمجتمع والتاريخ وهناك من يرفض النظر إلى المجتمع كنسق طبيعي، ويفضلون النظر إليه على أنه نسق أخلاقي أو تاريخي، وفي مقدمة الباحثين الذين يتبنون هذا الموقف إيفانز بريتشارد الذي يذكر صراحة الأنثربولوجيا الاجتماعية لم تستطيع على مدى تاريخها إلى ما يشبه القوانين الطبيعية ولو من بعيد.

ويؤكد بريتشارد أنه لا يمكن لنا مقارنة النسق الاجتماعي بالنسق الطبيعي، وعلى سبيل المثال لا يمكن مقارنة النسق العائلي أو النسق القانوني النسق الفلكي الذي ينظم النجوم والكواكب، ويؤكد سوركين أن العلاقة الاجتماعية تختلف تماماً عن العلاقة الحيوية أو الطبيعية.

في أنها ذات معنى أي أن لها معنى إلى جانب أن لها هدفاً، ولعل هذا هو ما جعل ماكس فيبر يؤكد عقم المنهج الطبيعي عند تطبيقه على ظواهر المجتمع، وعلى ضرورة استخدام منهج جديد عند دراسة هذه الظواهر وهو ما أطلق عليه منهج الفهم.

2- أنه يمكن دراسة العالم الاجتماعي بعدة طرق متنوعة ومتناقضة وجميعها طرق علمية وإمبيريقية، فهناك العديد من النتائج المتباينة انتهت إليها أبحاث سوسيولوجية تدرس نفس الظاهرة، اعتماداً على دراسات إمبيريقية للظواهر المدروسة ويمكن أن تعطينا دراسات الطبقة في علم الاجتماع مثلاً واضحاً على ذلك، فهناك الأساليب أو المداخل الذاتية، وهناك المدخل الموضوعي.

يضاف إلى ذلك أن الدراسة الإمبيريقية للعالم الاجتماعي تفترض تبني بعض القضايا، ومن هذه القضايا على سبيل المثال أن هذا العالم قابل للفهم العلمي وأن هناك بعض الانتظامات القانونية تحكمه وأن العالم الاجتماعي يقوم على أساس التوازن أو الصراع والتوتر.

وهو يعني على حد قول جولدنر أن طبيعة علم الاجتماع تعتمد بالضرورة على مجموعة من الأفكار القبلية، وهي ما يطلق عليها، الأفكار العميقة حول الإنسان والمجتمع والكون والعلاقات بينهم وهنا يبرز تناقض عميق داخل علم الاجتماع ذاته، فإذا كان الهدف المعلن لهذا العلم يتمثل في محاولة اكتشاف طبيعة الحياة الاجتماعية، فكيف يمكن أن يؤسس على مجموعة من الافتراضات والأفكار والمبادئ القبلية حول هذه الحياة ذاتها؟

وقد ظهرت طائفة من علماء الاجتماع، تؤكد أن ما يميز علم الاجتماع هو طبيعة الإطار النظري الذي يوجه الباحث أثناء الدراسة، ويقدم له الإطار الشمولي لتفسير نتائج الدراسات الإمبيريقية، ويشير أنصار هذا الاتجاه إلى أن أنصار النزعة الإمبيريقية والذين يتشدقون بالعلمية الموضوعية في علم الاجتماع اعتماداً على انبثاق القضايا المتضمنة في ذلك العلم من الواقع.

لا يستندون إلى نسق نظري مسبق، ولكن من واقع الدراسة الإمبيريقية ذاتها، يصدرون نهاية الأمر عن بناء نظري مسبق يعتمد على الأيدلوجية الليبرالية، ويشير جولدنر إلى أن النظريات السوسيولوجية تتضمن نوعين من الفروض.

أنواع الفروض في النظرية السوسيولوجية عند الفين جولدنر:

1- الفروض المصاغة داخل النظرية، وهي ما يطلق عليها اصطلاحاً المسلمات.

2- الفروض الخلفية، وهي تلك التي توجه النظرية والأبحاث الميدانية على الرغم من عدم ظهورها داخل النظرية ذاتها.

وتمارس هذه الفروض أثراً عميقاً على النظريات السوسيولوجية حيث أنها توجه الباحث في كل خطوة من خطوات العمل العلمي اعتباراً من اختيار مشكلة البحث ومجالاته وصياغة الفروض، حتى تحديد الاستراتيجية المنهجية المناسبة وتحليل واستخلاص النتائج.

تصنيف الفروض في النظرية السوسيولوجية عند الفين جولدنر:

1- الفروض واسعة النطاق:

وهي التي تتعلق بالأفكار حول الكون والإنسان وموقع الإنسان داخله، وهذه الفروض هي مجموعة المعتقدات الميتافيزيقية التي يعتقد فيها الإنسان.

2- الفروض الخلفية المحددة النطاق:

وتتعلق هذه الفروض بمجالات محددة تتصل بظاهرة علم الاجتماع، مثل تصور الأساس الذي يقوم عليه المجتمع والتاريخ ودور الإنسان داخل المجتمع وموقعه من حركة التاريخ ودوره أو موقعه من هذه الحركة كعامل فعال أو متأثر أو متفاعل.

ويضرب لنا جولدنر مثالاً على هذه الفروض بالأفكار المتعلقة بالنظر إلى الجماهير، على أنها تصدر في سلوكها عن عوامل رشيدة أم غير رشيدة وأن المجتمع يقوم في جوهره على التوازن أو الصراع، وأن التدرج الطبقي أمر يتفق مع طبيعة الأشياء وأمر حتمي وطبيعي، أم أنه مسألة مرضية يجب العمل على إزالتها والقضاء عليها، وأن المشكلات الاجتماعية سوف تحل مع مرور الزمن أم أنها تتطلب التدخل المخطط من قبل المسؤولين.


شارك المقالة: