ظاهرة التباعد الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


إن ظاهرة التباعد الاجتماعي ظاهرة ليس جديدة، كما أنها لا تقتصر على الإنسان فقد وجدت أيضاً في مجتمع الحيوانات، وتستعمل هذه الظاهرة لتجنب الإصابة بالأمراض المعدية من خلال التقليل من ملامسة البعض عن قرب.

ماذا يعني التباعد الاجتماعي

التباعد الاجتماعي: عبارة عن تدخلات أو تدابير غير دوائية لمنع انتشار مرض معدي، مما يقلل من عدد المرات التي يتلامس فيها الأشخاص عن قرب مع بعضهم البعض، ولأن البشر مخلوقات اجتماعية والبروتوكولات الجديدة للعزل الطوعي والتباعد الاجتماعي ليست طبيعية، ولأنهم ملزمون برغبة المجتمع يمكن أن يكون للتباعد الاجتماعي تأثير سلبي على الصحة العقلية والجسدية نظرًا لأنهم كائنات اجتماعية.

وقد تتضمن ظاهرة التباعد الاجتماعي مجموعة واسعة من الآثار السلبية الناتجة عن الشعور بالوحدة ومنها ما يلي:

1- أمراض القلب والسكتة الدماغية.

2- زيادة التوتر.

3- انخفاض الذاكرة.

4- صفة غير اجتماعية.

5- اتخاذ قرار ضعيف.

6- اضطراب استخدام المواد المخدرة.

7- مرض الزهايمر.

8- وظيفة الدماغ الوهمية.

9- الاكتئاب والانتحار.

ويرى علماء الاجتماع إنه إذا كان الشخص يعاني عادةً من الاكتئاب أو القلق فقد يشعر بأي من هذه الآثار أو جميعها بشكل أعمق بسبب ظاهرة التباعد الاجتماعي، وقد تجعل الوحدة التي يشعر بها من التباعد الاجتماعي الإلزامي والعمل من المنزل ونقص المستلزمات التأثير أكثر دراماتيكية.

ويناقش علماء الاجتماع حقيقة أن هناك أشخاص معرضون نفسياً أكثر من غيرهم لتأثير ظاهرة التباعد الاجتماعي، فقد أظهرت الأبحاث أن هناك مجموعات أكثر عرضة للخطر من غيرها، وهذه المجموعات عالية الخطورة هي:

1- الأشخاص ما بين (16- 24) سنة.

2- النساء.

3- أولئك الذين لديهم تاريخ من المرض العقلي.

4- أولئك الذين لديهم طفل واحد فقط بدلاً من إنجاب أكثر من طفل أو لا شيء.

5- أولئك الذين يعملون في صناعة الرعاية الصحية.

6- أولئك الذين عانوا من صدمة الماضي.

ردود فعل شائعة وغير مألوفة تجاه ظاهرة التباعد الاجتماعي

حدد علماء الاجتماع أن هناك ردود أفعال شائعة وغير مألوفة تجاه ظاهرة التباعد الاجتماعي، وهذا أمر متوقع، ومن بعض المشاعر الشائعة ما يلي:

1- الخوف: فمن الطبيعي أن يخاف الناس من ظاهرة التباعد الاجتماعي والحقيقة إنه سيكون هناك الكثير من الأمور المجهولة التي من الممكن أن تحصل.

2- القلق: يشعر الكثير من الناس بالقلق بشأن الحصول على الطعام والإمدادات التي يحتاجون إليها، حتى أن بعض الأشخاص يذهبون إلى حد تخزين الإمدادات في الخطر وإلحاق الضرر بالآخرين.

3- الملل: مع تجميد الأنشطة المعتادة، فلا عجب أن يعاني الكثير من الملل من احتواء الذات.

4- الاكتئاب: الصحة العقلية لا تقل أهمية عن الصحة البدنية ويكون الناس أكثر عرضة للاكتئاب في أوقات التوتر.

5- الغضب والإحباط والتهيج: يشعر الناس بالغضب من عدم السيطرة على الوضع والطريقة التي تم بها إدارته، والشعور بالإحباط من حقيقة إنه لا يمكن العمل أو ممارسة الحياة اليومية كأمر طبيعي، ومع استمرار التباعد الاجتماعي فإن الشعور بالضيق هو شعور طبيعي ومتوقع.

طرق التعامل مع ظاهرة التباعد الاجتماعي

من وجهة نظر علماء الاجتماع إنه بعد أن تم معرفة المشاعر الطبيعية والمتوقعة لظاهرة التباعد الاجتماعي يمكن فعل بعض الطرق للتعامل معها بطريقة صحية، ومن هذه الطرق:

  • الاعتراف بأن ظاهرة التباعد الاجتماعي تعتبر أوقات غير مسبوقة ومرهقة.
  • استخدم التكنولوجيا بطريقة مبدعة للبقاء على اتصال أثناء المشاركة في ظاهرة التباعد الاجتماعي.
  • التدرب على الشعور بالامتنان والبحث عن البطانة الفضية.
  • القيام بتمرين للعقل وللقلب وللجسم بالروتين اليومي.
  • أن يكون المرء لطيفًا ورحيمًا مع الآخرين، وأن تكون الخدمة مفيدة لأولئك الذين يتم خدمتهم أيضًا.
  • الحفاظ على روح الدعابة، فالضحك يخلق هرمونات سعيدة ويساعد في إدارة التوتر.
  • ممارسة اليقظة والعيش في الحاضر وهي أيضًا طريقة رائعة للعيش في هذه الأوقات الصعبة.
  • وفي المحصلة النهائية بينما يُمارس التباعد الاجتماعي من أجل الصحة البدنية للجميع يجب التأكد من عدم تجاهل الصحة العقلية.
  • مع تضارب التغطية الإخبارية والشائعات ونظريات المؤامرة يجب أيضاً الحد من التعرض لها للحفاظ كذلك على صحة عقلية جيدة.
  • العمل على تحقيق توازن بين الحالة الجسدية والعقلية؛ لأن الجميع يتفهم أهمية العافية الكاملة للشخص اليوم.

ظاهرة التباعد الاجتماعي ليست ظاهرة جديدة

من وجهة نظر علماء الاجتماع هنالك حيوانات متنوعة مثل القرود والكركند والحشرات والطيور يمكن الكشف من خلالها تجنب أعضاء المرضى من نفس نوعها، فكيف تمكنت الحيوانات من التكيف لمثل هذه الظاهرة المعقدة كاستجابة للخطر؟ وذلك لأن ظاهرة التباعد الاجتماعي تساعد على بقائهم أحياء، ومن وجهة النظر التطورية تقوم الحيوانات التي تتكيف مع ظاهرة التباعد الاجتماعي بشكل صحيح أثناء وجود المرض على تطوير سلوكها في البقاء على قيد الحياة والاستمرار في تقديم المزيد من فرص التكاثر والتي ستطور أيضًا اجتماعيًا سلوكيات للتصدي للمرض.

كما درس علماء الاجتماع الطرق المتنوعة التي تستخدم بها الحيوانات السلوكيات لتجنب العدوى، ولماذا السلوكيات مهمة لانتشار المرض، إذ تشير سلوكيات الحيوانات التي تواجه مخاطر وأمراض كثيرة وتصاب بالأمراض المعدية أنها طورت طرق معينة واستراتيجيات زادت من قدرتها على تحدي العدوى، واستجابة للخطر طورت الحيوانات سلوكياتها المتمثلة بالتباعد الاجتماعي، فعندما يكون هناك مرض معدي في مجتمعهم يقوم كل من الحيوانات بتغيير سلوكهم بسرعة من أجل ايقاف انتقال العدوى.

ومن استراتيجيات الحيوانات في مثل هذه الأوضاع عزل الحيوان المصاب بالمرض بنفسه وتقليل التفاعل مع الحيوانات الآخرى، وبشكل عام تعتبر هذه الأساليب الوقائية ناجحة للغاية في التقليل من انتشار العدوى والحفاظ على الحيوانات على قيد الحياة.

كما يحمل السلوك البشري في وجود المرض أيضًا بصمة التطور، ويشير هذا إلى أن أسلاف البشر واجهوا العديد من نفس الضغوط من الأمراض المعدية التي يواجهها البشر اليوم، ومثل الحيوانات الاجتماعية يحمي البشر الأفراد الأكثر ضعفًا في المجتمع من العدوى من خلال ضمان بقاء الأفراد الأكبر سنًا وأولئك الذين يعانون من ظروف موجودة مسبقًا بعيدين عن الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا معديين، كما يمارسون أيضًا تباعدًا اجتماعيًا دقيقًا مما يقلل من الاتصالات الاجتماعية غير الضرورية مع الاستمرار في توفير الرعاية الأساسية لأفراد الأسرة المرضى.

وهناك أيضًا اختلافات مهمة، على سبيل المثال بالإضافة إلى رعاية أفراد الأسرة المرضى يزيد البشر أحيانًا من مخاطرهم من خلال رعاية أفراد غير مرتبطين مثل الأصدقاء والجيران، ويذهب العاملون في مجال الرعاية الصحية إلى أبعد من ذلك ويبحثون بنشاط عن أولئك الذين يتجنبهم الكثير ويساعدونهم على وجه التحديد، وسلوك الإيثار هو السلوك الذي يميز الإنسان في ظاهرة التباعد الاجتماعي وتفشي الأمراض.

وأيضاً لدى الإنسان تقنيات متطورة تجعل من الممكن اكتشاف مسببات الأمراض بسرعة ثم عزل الأفراد المرضى وعلاجهم، ويمكن للبشر أن ينقلوا التهديدات الصحية على مستوى العالم في لحظة مما يسمح لهم بإقامة سلوكيات تخفف من المرض بشكل استباقي، وهذه ميزة تطورية ضخمة.

وأخيرًا، بفضل المنصات الافتراضية يمكن للبشر الحفاظ على الاتصالات الاجتماعية دون اتصال جسدي مباشر، ويدل ذلك أن الإنسان يستطيع القيام بالتباعد الجسدي مقابل التباعد الاجتماعي على عكس الكائنات الحية الأخرى، مما يسمح لهم بالحفاظ على بعض المزايا المهمة للمعيشة الجماعية مع التقليل من فرص الإصابة بالأمراض.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000 علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998 الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: