ظاهرة جرائم الشرف

اقرأ في هذا المقال


جرائم الشرف ظاهرة ومشكلة اجتماعية خطيرة في بعض البلدان لم يتم شرحها ومعالجتها بشكل كافٍ، وبدأ علماء الاجتماع بلمحة عامة عن تصور هذه الظاهرة ومراجعة انتشارها عالميًا، وهم يجادلون بأن ظاهرة جرائم الشرف لا يمكن تفسيرها بالكامل من خلال التركيز فقط على الدين والتمييز على أساس الجنس.

ظاهرة جرائم الشرف

يقدم تحليل عالم الاجتماع إميل دوركايم النسوي لظاهرة جرائم الشرف كشكل من أشكال الرقابة الاجتماعية غير الرسمية ويجادل علماء الاجتماع بأن ظاهرة جرائم الشرف تمثل جانبًا مظلمًا من الحداثة، حيث أدى التهميش والوصم المنهجي للأقليات والفئات الاجتماعية إلى الاعتماد بشكل أكبر على الشرف التقليدي والمدونات كنوع من الرقابة الاجتماعية غير الرسمية، مما يؤدي إلى تفاقم جرائم الشرف.

ويناقشون كيف أن اتباع نهج أكثر فعالية لمكافحة ظاهرة جرائم الشرف لا يتطلب فقط معالجة قضايا التحيز الجنسي والأصولية الدينية بل منظمة تدير المخبر الاجتماعي لظاهرة جريمة الشرف والتهميش والحداثة ووصم الأقليات.

فالقتل دفاعاً عن الشرف هو شكل ضار ومزعج بشكل خاص للسيطرة على سلوك المرأة، ولقد كان يحدث منذ آلاف السنين ولا يزال يمارس على مستوى العالم، وعلى وجه الخصوص ولكن ليس حصريًا بين المجتمعات، وكانت هناك جهود مختلفة لتقليل حوادث جرائم الشرف بما في ذلك عمل المنظمات الدولية، على سبيل المثال منظمة الصحة العالمية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والنشاط والمنظمات المحلية، على سبيل المثال نشطاء حقوق الإنسان والمحامون، والمنظمات غير الحكومية والإصلاح القانوني على سبيل المثال رفض الدفاع عن الشرف في القوانين القانونية لقتل أفراد الأسرة، وعلى الرغم من أن هذه الخطوات كانت مهمة لزيادة الوعي العام إلا أن حالات جرائم الشرف لا تزال مرتفعة بشكل ينذر بالخطر.

ومن منظور علمي اجتماعي يهدف علماء الاجتماع إلى استكشاف خصوصية ظاهرة جرائم الشرف وأسبابها، ويحدون الأمل في أن يؤدي فهم الأسباب الكامنة بشكل أفضل إلى فتح جبهة جديدة لمكافحة هذه الجريمة البشعة ضد المرأة وبالتالي زيادة فعالية الجهود الحالية والنشاط المكرس لتقليل هذه الجرائم وإعطاء الأمل في القضاء عليها.

تفسيرات انتشار ظاهرة جرائم الشرف

تم اقتراح تفسيرات مختلفة أو يمكن اقتراحها لانتشار واستمرار هذه الظاهرة الضارة والقمعية، ومنها:

1- علماء الاجتماع هنا يعارضون فكرة أن جرائم الشرف هي مجرد عرض لمشكلة أكبر مع العنف الاجتماعي أو أنها مجرد نتيجة لمبادئ دينية معينة، وبدلاً من ذلك يجادلون بأن جرائم الشرف يجب أن تُفهم على أنها أسلوب للسيطرة الاجتماعية والتماسك وتمارس في مجتمعات متماسكة بإحكام، حيث السلوكيات الجنسية والاجتماعية للمرأة هي قيم وموارد مجتمعية أساسية.

2- بالإضافة إلى ذلك يتحدون الافتراض القائل بأن ظاهرة جرائم الشرف ناتجة عن عدم تحديث الجماعات القبلية، وفي الواقع هناك علاقة أكثر ديناميكية بين التحديث وظاهرة جرائم الشرف، ووفقًا لبعض الروايات فقد اشتدت ظاهرة جرائم الشرف خلال عملية التحديث.

3- يجادل علماء الاجتماع بأن الإقصاء والوصم المنهجي لمختلف الفئات الاجتماعية أثناء التحديث قد أدى بأعضاء المجموعة إلى الاعتماد أكثر على قواعد الشرف المحلية الخاصة بهم من أجل الأمن والسيطرة.

4- وينتقدون الرأي السائد بأن جرائم الشرف هي علامة على أيديولوجية دينية أو ثقافية أو اجتماعية بدائية وينتقدو بحجة أن هذا الاعتقاد سطحي واستشرقي، كما أنهم يجادلون بأن فكرة أن جرائم الشرف هي مجرد علامة على التمييز الجنسي ليست كافية؛ لأنها اختزالية ولا تعطي أي مؤشر على كيفية معالجة الظروف السياقية التي تحدث في ظلها هذه الظاهرة.

5- يجادلون بأن النظريات العامة حول الأسباب الهيكلية لجرائم العنف ليست مناسبة؛ لأنها تقلل من دور العمليات الجماعية في جرائم الشرف.

الدور الاجتماعي في معالجة ظاهرة جرائم الشرف

لمعالجة أوجه القصور هذه قام علماء الاجتماع بتطوير رواية دوركهايمية النسوية لجرائم الشرف يمكن أن تشرح الدور الاجتماعي للسيطرة العنيفة للغاية على السلوكيات الجنسية والاجتماعية للمرأة، ويجادل بأن الدور الاجتماعي لجرائم الشرف يمكن أن يصبح ذا أهمية متزايدة حيث تواجه المجتمعات انتقالًا بعيدًا عن السياقات التقليدية الريفية، ونظرًا لأهمية التنظيم الأسري والمجتمعي للتكاثر والإنتاج الاقتصادي وبقاء المجموعات المتماسكة بشكل وثيق، توفر قوانين الشرف معيارًا اجتماعيًا ونظام قيم لتأمين تماسك المجموعة والتحكم فيها.

ولم يقدم الانتقال إلى السياقات الحضرية بديلاً قابلاً للتطبيق للإنتاج الاقتصادي الجزئي لبعض المجتمعات، كما إنه خلق ظروفًا من الإقصاء والوصم المنهجي، ومن ثم فإن علماء الاجتماع يقترحون أن جرائم الشرف جانب مظلم من الحداثة.

فظاهرة جرائم الشرف من أشد الجرائم عنفاً ضد المرأة، حيث إنه قتل فتاة أو امرأة على يد أفراد أسرتها مثل والدها أو والدتها أو إخوتها أو أعمامها أو أجدادها أو أحيانًا أفراد المجتمع بسبب سلوكها الجنسي المرفوض.

وما يعتبر سلوكًا جنسيًا مرفوضًا خاص بالمجتمعات وأحيانًا العائلات لا يشمل عادة الجنس خارج إطار الزواج فحسب بل يشمل أيضًا المغازلة ورفض الزواج المرتب والجنس قبل الزواج وحتى التعرض للاغتصاب، ويُنظر إلى انتهاك المرأة المتصور أو الفعلي للعائلة أو المجتمع أو التقاليد الجنسية الدينية على إنه عدم احترام أو إهانة لهذه التقاليد وجلب العار للأسرة أو المجتمع، وفي قتل المرأة كذلك يسعى أفراد الأسرة إلى استعادة شرف أسرتهم أو مجتمعهم.

الثقافات القائمة على الشرف

تنبع جرائم الشرف من مفهوم الشرف السائد في العديد من المجتمعات، وعلى الرغم من الاختلافات المحلية في المعنى فإن أفضل وصف لمفهوم الشرف في هذه المجتمعات هو الاعتراف العام بالقيمة الأخلاقية للفرد ومكانته الاجتماعية، وحتى عندما يشير الشرف إلى الجودة الداخلية للفرد في نظر المرء، فإنه يتطلب في النهاية اعترافًا جماعيًا للتحقق والتأكيد.

كما يعتبر الشرف بمثابة ترخيص للمشاركة الاجتماعية في الثقافات القائمة على الشرف، وبعبارة أخرى يجد الأفراد مكانًا في مجتمعهم، والفعل أن الفعل المخزي مثل عدم الوفاء بوعد أو عدم الرد على الإهانات هو عمل يُنظر إليه على إنه يكسر نظام القيم للمجموعة الاجتماعية. تؤدي الأعمال المخزية إلى الخزي أو الإذلال وتضر بمكانة الفرد أو قيمته الأخلاقية في المجموعة ، وبالتالي تقيد المشاركة في مختلف جوانب الحياة العامة.

وإن مثل هذا التصور للشرف يعني ضمناً سيطرة الرجال والجماعة الكاملة على أجساد النساء والجنس، ولا سيما عذريتهن قبل الزواج، بالإضافة إلى ذلك من الشائع الادعاء بأن الفرق بين الشرف والعار يمكن ربطه بالاختلافات بين الجنسين، بحيث يرتبط الرجال بالشرف والنساء بالعار.


شارك المقالة: