علم الاجتماع عند فلفريدو باريتو:
لم يكتب باريتو في علم الاجتماع بصفة خاصة سوى مؤلف واحد هو مقدمة عامة في علم الاجتماع، وهو مؤلف ضخم من مليون كلمة نشر عام 1916، أي عندما كان باريتو في الثامنة والستين من عمره باللغتين الفرنسية والإيطالية، ولم يترجم إلى الإنجليزية إلا في عام 1935، حيث صدر بعنوان العقل والمجتمع، أما قبل ذلك فقد نشر مجموعة من المقالات في السياسة والاقتصاد، ونشر كتاباً بعنوان النظم الاشتراكية، عام 1902 وكان عباره عن تحليل نقدي للفكر الاشتراكي ولتدخل الحكومة في الاقتصاد.
وقد أقام باريتو نظريته الاجتماعية على أسس وضعية أكثر تطرفاً من تلك التي أقام عليها كونت نظريته، الواقع أنه تأثر بكونت كثيراً على الرغم من عدم اعترافه بذلك، ورأى أن علم الاجتماع لا بدّ أن يصبح علماً تجريبياً منطقياً يعتمد على الملاحظة والتجربة إلى أقصى درجة، بحيث يتجنب تماماً أي استنتاجات أو تأملات تخرج عن نطاق الوقائع التي يلاحظها، ولا يجب أن يحتوي علم الاجتماع على أي شيء سوى وصف الوقائع التي يلاحظها، وكيفية انتظامها، ولا يجب أن يسعى إلى البحث عن علاقات سببية أو إلى دراسة ظاهرات كيفية.
وهنا تبرز أولى المسلمات التي يرتكز عليها فكر باريتو بأسره والتي تحمل ايديولوجيته في نفس الوقت فهو يسلم أن موضوع العلم هو الوقائع القائمة التي يجب أن يتخذ منها العالم موقفاً إيجابياً لا موقفاً نقدياً أو سالباً وهو يلغي بذلك تماماً الذات المفكرة عند العالم، مثلما فعل كونت ويستبدل بها الذات المدركة.
والوقائع التي يدرسها علم الاجتماع هي بالطبع وقائع النظام الاجتماعي القائم، كما أن باريتو بذلك إنما ينفي تماماً أهمية البعد التاريخي في فهم الظاهرات الاجتماعية ويرى أن تفسير الماضي يجب أن يكون من خلال الحاضر لا العكس، أي تفسير الحاضر على ضوء الماضي.
ولكن أي وقائع تلك التي يجب أن يركز علم الاجتماع على دراستها والتي يعتبرها باريتو أساس الحياة الاجتماعية، أنها بالطبع ليست الوقائع المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، كما يرى غريمه ماركس ولكنها الوقائع السيكولوجية، فالقوة الأساسية في المجتمع والتي تحدد كل السلوك الإنساني في رأي باريتو هي العاطفة، وهي بمثابة غرائز أو ميول إنسانية فطرية ذات طبيعة ثابتة لا تتغير، ولذلك أطلق عليها تسمية الثوابت.