علم الجريمة بين الوراثة والتطور

اقرأ في هذا المقال


مع تحسن البحث عن تفسيرات السلوك الفردي والاجتماعي من خلال تطبيق الأساليب الإحصائية، والإصرار الوضعي على أنّ المعرفة الحقيقية الوحيدة هي تلك التي تم الحصول عليها من خلال الملاحظة المنهجية (أي الطريقة العلمية)، والمعتقدات حول طبيعة وإمكانات الإنسان داخل المجتمع أصبح أكثر تعقيدًا وقوة، وعلى الرغم من أنّ لامارك قد ناقش في وقت سابق مرور بعض السمات المكتسبة من جيل إلى جيل (الميراث الناعم)، فقد استفاد المنظرون في منتصف القرن التاسع عشر من مقترحات مالتوس حول تقدم المجتمع ومن الاستفسارات المعقدة بشكل متزايد في طبيعة ومصدر الميول البيولوجية والسلوكية.

العلاقة بين الجريمة والتطور من وجهات نظر العلماء

هربرت سبنسر

صاغ هربرت سبنسر (Herbert Spencer) للأعوام ما بين 1820-1903 المنظر الاجتماعي والفيلسوف الإنجليزي الأوائل نظرية التطور قيد التقدم: قانونها وسببها في عام 1857، وذلك قبل نشر تشارلز داروين للكتاب حول أصل الأنواع في عام 1859، واقترح سبنسر أنّ كل شيء في الكون تطور من مصدر واحد وتقدم في التعقيد مع مرور الوقت والأجيال وأصبحت متمايزة ولكنها تتميز بزيادة تكامل الأجزاء المتباينة، وصاغ سبنسر أيضًا عبارة البقاء للأصلح في عام 1864 بعد قراءة كتاب داروين حول أصل الأنواع وطبق فكرة الانتقاء الطبيعي على المجتمع.

تشارلز داروين

على الرغم من أنّ الفقرات السابقة توضح تطور الفكر العلمي حول مفاهيم الوراثة والتطور، إلّا أنّ معظم العلماء يلاحظون في المقام الأول تأثير تشارلز داروين (Charles Darwin) للأعوام ما بين 1809-1882، فوصف داروين نظرياته في منشورين رئيسيين وهما:

1- أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي أو الحفاظ على السلالات المفضلة في الكفاح من أجل الحياة في عام 1859.

2- أصل الإنسان والاختيار فيما يتعلق الجنس في عام 1871.

في أصل الأنواع شرح داروين نظرية مفادها أنّ الكائنات الحية تتطور عبر الأجيال من خلال عملية الانتقاء الطبيعي، وتوصل داروين إلى استنتاجاته ودعم ملاحظاته من خلال الأدلة التي جمعها خلال رحلة بحرية على متن قارب (HMS Beagle) خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

طبق أصل الإنسان والاختيار فيما يتعلق بالجنس نظرية داروين للتطور البشري ووصف نظرية الانتقاء الجنسي، وعلى الرغم من أنّه قد ألمح في وقت سابق إلى أنّ الانتقاء الطبيعي والتطور يمكن وينبغي تطبيقهما على تطور الإنسان، إلّا أنّ آخرين -توماس هكسلي (Thomas Huxley) في عام 1863 وألفريد والاس (Alfred Wallace) في عام 1864- قد طبق بالفعل نظرياته على الحيوان البشري أولاً.

سيزار لومبروسو

التركيز الرئيسي لعمل لومبروسو هو مفهوم التأتية، ويصف الرجعية (Atavism) الظهور في كائن حي لخصائص بعض السلف البعيد بعد عدة أجيال من الغياب، وغالبًا ما يشير إلى الشخص الذي يظهر الرجعية أي الارتداد، ويمكن أن يعني أيضًا العودة إلى سلوك أو نظرة أو نهج سابق، واقترب لومبروسو من هذا المفهوم معتقدًا أنّ المجرمين كانوا ارتدادًا على مقياس التطور، وكان يعتقد أنّ المجرمين المعاصرين يتشاركون الخصائص الجسدية (الندبات) مع البشر البدائيين، وفي سنواته الأخيرة اعتقد في النهاية أنّ العوامل الاجتماعية والبيئية يمكن أن تسهم في الإجرام.

توصل لومبروسو إلى استنتاجاته من خلال دراسة جثث المجرمين الذين تم إعدامهم بحثًا عن مؤشرات مادية للترابط، وتطوير نظام تصنيفي (مع أربعة أنواع إجرامية رئيسية) لتصنيف هؤلاء الأفراد، وعلى الرغم من أنّ أساليبه كانت معيبة وأنّ معظم السمات التي سردها فشلت في التمييز بين المجرمين والعينات المتطابقة من غير المجرمين، إلّا أنّه كان من بين أول من طبق المبادئ العلمية على جمع البيانات واستخدام التقنيات الإحصائية في تحليل بياناته، بالإضافة إلى فحص الخصائص الجسدية للمجرم قام أيضًا بتقييم الظروف التي يتم فيها ارتكاب الجريمة، كما كان من أوائل من درسوا إجرام الإناث متكهنًا أنّ الإناث كن على الأرجح مجرمات بدافع الشغف.

قرر لومبروسو أنّ المجرمين الخطرين ورثوا سماتهم الإجرامية وأنّهم كانوا مجرمين مولودين وهو ارتداد أتافي لأسلاف تطوريين سابقين، وكان لديهم فك قوي وأسنان كبيرة وجبهة منتفخة وأذرع طويلة، وشكلت هذه الأنواع من المجرمين حوالي ثلث جميع المجرمين، وكان الثلثان المتبقيان من المجرمين (المجرمين القصر) الذين يرتكبون الجريمة في بعض الأحيان فقط، وعلى الرغم من تذكره في المقام الأول لادعائه بأنّ السلوكيات الإجرامية موروثة، جادل لومبروسو أيضًا بأنّ العوامل البيئية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الجريمة، وتكهن بأنّ إدمان الكحول والتغيرات المناخية ونقص التعليم قد تساهم في الإجرام.


شارك المقالة: