عوامل تخلف العقلية في التخلف الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


إن ملامح العقلية المتخلفة، سواء من جانب اختلال منهجية الذهن، أو سوء الفكر الجدلي، أو استبداد الذاتية والانفعال والخرافة، والتي تُقتصر جميعاً بموقف عاجز عن التحكم على الطبيعة والمصير، خصائص تتطلب التوضيح والتعليل العلميين.

عوامل تخلف العقلية في التخلف الاجتماعي

لقد أُعطيت الكثير من التوضيحات التي تتباين في الصحة، أو التي تثبت على عوامل معينة أكثر من غيرها، ولكن لا بدّ قبل الخوض فيها من إزالة لبس اتخاذ شكل الأحكام الظالمة بحق الشخص المتخلف، ونعني به تلك التفسيرات المتحيزة التي قدمها بعض علماء الغرب لمسببات تخلف الذهنية، والنظرة إلى الحياة في بلدان العالم الثالث، وهي على كل حال، توضيحات قديمة نسبياً ظهرت مع المد الاستعماري، كتبرير علمي مزعوم لاستغلال شعوب العالم الثالث.

القصور التطوري في التخلف الاجتماعي

من هذه التوضيحات الحديث بالقصور التطوري لسكان هذه الدول، فهم أشخاص أوليّون لم يتجاوزوا في سلم التقدم المرتبة الحيوانية أو الطفلية في أحسن الأحوال، ولذلك نرى الكثير من هؤلاء العلماء المزعومين، يعقدون مقارنات بين الشخص الأولي والحيوان والطفل.

كل منهم تتحكم فيه الغرائز والنزوات والانفعالات، وكل منهم يفتقر إلى الإدراك وتطور الملكات الذهنية العليا، والتجريد والمنطق والتفكير النقدي، وهو لذلك يغرق في نفسيته وفي النظرة السحرية إلى الكون وظواهره، ومنهم من تحدث القصور العرقي، جاعلاً الإدراك والوعي والقدرة على العمليات الذهنية العليا حكراً على العرق الأوروبي الأبيض.

ومنهم من أرجع انتشار الخرافة وما يصاحبها من قدرية واستكانة واستجابة وعجز عن التصدي إلى عوامل ثقافية ودينية، والشرق الخرافي القدري الانفعالي، مقابل الغرب العقلاني المنطقي التقني.

والواقع أن كل هذه التوضيحات تفتقر إلى أبسط مقومات النظرية العلمية، إنها مجرد تحيزات وأحكام مسبقة تهدف إلى تبرير الاستغلال وتكريس التسلط، وهي في ذلك تتواطأ مع التوضيحات التي يشيعها وينشرها المتسلط الداخلي لتخلف ذهنية الفئات المسحوقة نفسه.

إن الأمر كله يجد مفتاح تعليله في دراسة العلاقة بين الكوّن الاجتماعي والذهني التي تنتج عنها، لا أكثر ولا أقل، كل نكوّن اجتماعي بما تتمثله من نظام علاقات ومرتبية وإنتاج تفرز ذهنية تتسم بنفس خصائص تلك البنية، تخدم أغراضها وتعززها عن طريق ترسيخ نظرة معينة إلى الكون، وأسلوب معين لمقاومة تحدياته وقضاياه.


شارك المقالة: