قال ياقوت الحموى عن مدينة شنترين:
“شَنْتَرِينُ مدينة متصلة الأعمال بأعمال باجة فى غربى الأندلس، ثم غربى قرطبة وعلى نهر تاجُه قريب من انصبابه فى البحر المحيط، وهى حصينة، بينها وبين قرطبة خمسة عشر يومًا، وبينها بين باجة أربعة أيام، وهى الآن للأفرنج مُلكت فى سنة 543 هـ”.
متى وقعت غزوة شنترين
وقعت غزوة شنترين في عام (1147)، بين دولة الموحدين في الأندلس بقيادة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، و مملكة البرتغال بقيادة الملك ألفونسو الأول، وهي مدينة قديمة ترجع إلى العصر الروماني، وتوجد في الشمال الشرقي لمدينة أشبونة “لشبونة عاصمة البرتغال” وهي تابعة تتبع لولاية إسترمادوره في البرتغال، وهى تقع على ضفة نهر تاجُه ويُعتبر هذا النهر من أطول الأنهار في شبه الجزيرة الإيبرية.
أحداث غزوة شنترين
في عام (580هـ) عانت بلاد الأندلس الإسلامية من حروب الاسترداد المسيحي، في النصف الثاني من القرن السادس الهجري عندما كان يحكم الأندلس والمغرب دولة الموحدين وكان أميرهم الملقب بأمير المؤمنين هو أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وهو الخليفة الثاني في الدولة الموحدية حيث تولى الخلافة بعد والده عبد المؤمن مؤسس الدولة الموحدية، وكان من حفظة القران، ومحبًا للجهاد واهتم بالجيوش والغزو، وقام بتأليف رسالة في فضل الجهاد في سبيل الله حتى أنها كانت تُدرس في وقت سابق.
كان آنذاك يوجد عدو قوي يعادي المسلمين في الأندلس، وهو ملك البرتغال وهو «ألفونسو هنريكيز»، وقد أسس دولته في غرب الأندلس في عام (533هـ) وقد كان قد استغل الاضطرابات والثورات الداخلية والخارجية التي عانت منها الأندلس في ذلك الوقت، وبذلك ظلت البرتغال شوكة في حلق الأندلس عانت منها الكثير من المتاعب لوقت طويل.
تكررت الهجمات المسيحية على بلاد الأندلس، حيث هاجم البرتغاليون مناطق غرب الأندلس، وهاجم القشتاليون مناطق وسط الأندلس، فقام ألفونسو الثامن ملك قشتالة بشن هجمات في عمق الأندلس حتى وصل إلى غرناطة وملقة، وكان أمير الموحدين أبو يعقوب يوسف في ذلك الوقت مشغولاً بمجابهة ثورات القبائل العربية في الشمال الإفريقي، مما شجع من عزيمة العدو وتزايدت الهجمات المسيحية على الأندلس.
في أواخر سنة (579هـ) عندما سيطر أبو يعقوب الموحدي على ثورات العرب، أعلن حالة الجهاد في الأندلس وكان يترأس الحملة بنفسه، وبدأ المسلمون يستعدون لحرب كبيرة لمواجهة العدوان المسيحي، قاموا بتصنيع عشرة مجانيق أشرف على تجهيزها أمير الأندلس أبو يعقوب، وتمت دعوة المسلمين للخروج للجهاد في سبيل الله، بدأت وفود المسلمين من القبائل العربية والبربرية تنضم للجيش الأندلسي، حتى بلغ جيش الموحدين (200) ألف مقاتل.
جهز الأمير الأندلسي خطته العسكرية والتي تتمثل بغزو مدينة شنترين أولًا وكان ذلك لسببين سبب مادي وسبب معنوي، حيث كانت مدينة شنترين قاعدة عسكرية مهمة للبرتغالين، وهي مركز تجهيز الهجمات العسكرية البرتغالية على الأندلس، وإسقاطها يعني ضرب صميم الدولة البرتغالية، أما السبب المعنوي فهو أنها كانت من أوائل المعاقل الإسلامية التي استولى عليها البرتغاليون، كما وأراد أمير الأندلس أن يسترد ثغر أشبونة من أجل القضاء على الدولة البرتغالية، أمر أبو يعقوب بأن يتوجه الأسطول المسلم إلى المحيط الأطلنطي من أجل حصار ثغر أشبونة، وتقوم الجيوش بالحصار البري على مدينة شنترين وعندها تسقط البرتغال.
علم ملك البرتغال «ألفونسو هنريكيز» بالحملة التي يجهزها أبو يعقوب بن عبد المؤمن، وقام بتجهيز قواته داخل المدينة وشدد التحصينات فيها، وصل جيش المسلمين في عام (580هـ)، وبدأوا بهجماتهم على أسوار مدينة شنترين، استمر القتال لعدة أيام وكاد المسلمون يفتحوا المدينة، لولا الغلطة التي ارتكبها الأمير أبو يعقوب، حيث أمر الجيوش أن تغير مواقع الحصار إلى مكان آخر، وعندها لم يفهم عليه القادة وبدأت الجيوش بالإنسحاب الكلي شيئًا فشيئًا، وبقي فقط في المعسكر التابع للأمير أبو يعقوب ومعه عدد قليل من الحرس والخدم.
وفي يوم (21 ربيع الأول سنة 580هـ)، استيقظ الأمير وقد انسحب جيشه ولم يتبقى إلاّ معسكره، علم الأعداء ما حصل في جيش المسلمين، وقاموا بتجهيز قواتهم وانقضوا على معسكر أمير المسلمين، وقاتل الأمير ومن معه بشجاعة بالغة حتى أنه استطاع أن يقتل (6) من الصليبين، ولكنه جُرج جرحًا عميقًا وتوفي بعد عدة أيام، وانتهت المعركة بفشل مروع للمسلمين، فلم يتمكنوا من فتح المدينة ولا إسقاط البرتغال وقُتل أميرهم أبا يعقوب.