لم تكن الثورة الفرنسية حدثاً هاماً في تاريخ فرنسا فقط، وإنما كانت أحد أبرز الأحداث التي حدثت في القارة الأوروبية والعالم المتمدن في آخر قرنين.
السياسة الفرنسية قبل الثورة:
تعتبر فرنسا نقطة تحول أساسية في تطور النظم الاجتماعية والسياسية في أوروبا، فقد قامت بوضع حداً للنظام الملكي القديم الذي كان سائداً، والذي كان قائم على الاستبداد ومستند للحق الإلهي في الحكم، كما قامت بفتح الباب أمام نظم جديدة، سواءً كانت ملكية أو جمهورية والتي كانت تقوم على حرية الشعوب والمساواة بين أفرادها، وتستمد سلطانها من إرادة المواطنين وتعمل تحت مراقبتهم بشكل أو بآخر.
وقد شَكَت أوروبا جميعها ممّا كانت تشكي منه فرنسا، حيث كان الملوك يمارسون الحكم المطلق على شعوبهم، وقد كانت الطبقات الممتازة والنبلاء في أوروبا، يهيمنون على على خيرات البلاد في كل مكان، وكانت الكنيسة باسم الدين في أوروبا تتمتع بامتيازات لا حد لها وإعفاء من الضرائب والواجبات تجاه الدولة، وقد كانت الحريات العامة لا وجود لها إلا في ضمائر الأحرار ومخيلاتهم، وقد كانت الشعوب في أوروبا مسيطرة عليها ولا سلطان على مُقدّراتها ومصادرها وثوراتها.
وأتت الثورة الفرنسية لكي تعالج تلك العلل والمشاكل، التي كانت تعاني منها فرنسا خاصةً وأوروبا بشكل عام، وكانت الثورة الفرنسية تحاول أن تجد لها حلولاً، من أجل أن تصلح الأحوال في فرنسا، وتصلح الأحوال أيضاً في باقي الدول الأوروبية، فعندما جاءت أحداث القرن التاسع عشر ميلادي، أثبتت تلك الأحداث أن الثورة أصبحت بالنسبة لشعوب أوروبا المظلومة ومسلوبة الحقوق، مدرسة ورائدة في مجال التحرر والانعتاق، وتأثرت الثورة الفرنسية بإحداث القرن التاسع عشر ميلادي واستنارت بكثير من مبادئها وقيمها الجديدة.
وحاولت فرنسا بعدة طرق معالجة المشاكل التي كانت تعاني منها، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، وقامت الثورة في فرنسا من أجل معالجة الفساد في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي كانت سائدة وقتها في فرنسا، وكان هناك عدة أسباب أساسية وشائكة ومن الصعب عدَّها وحصرها، أدت إلى قيام الثورة الفرنسية، وقد كانت هناك عدة عوامل تعود إلى ما قبل قيام الثورة الفرنسية بوقت كبير، وهناك عدة عوامل تعود إلى عهد الملك “لويس الرابع”، وحينها كانت فرنسا في أفضل حالاتها وأوج قوَّتها.