قواعد مراقبة الحقائق الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


شرع العديد من علماء الاجتماع إلى تحديد قواعد لمراقبة الظواهر الاجتماعية وذلك من خلال تجميع وجهات نظرهم المختلفة حول ماهية الظاهرة الاجتماعية، وأيضاً من خلال تحديد أسباب الظواهر الاجتماعية وكذلك لمعرفة الظاهرة الاجتماعية الفردية عن المجتمعية، ومن هذه القواعد كان للتمييز بين الظواهر الاجتماعية الطبيعية والظواهر الاجتماعية المرضية وطرق معرفة قواعد ودستور كل ظاهرة اجتماعية.

قواعد مراقبة الظواهر الاجتماعية

لاحظ عالم الاجتماع فرانسيس بيكون اتجاهًا عامًا للظواهر الاجتماعية والذي كان يجب تصحيحه إلى جانب العيوب الخطيرة في التعلم الحالي، إذ كانت خطته للنهوض بالمعرفة العلمية للظواهر الاجتماعية هي أخذ الأفكار من الأشياء للأشياء نفسها ثم بناء معرفة حول الظواهر الاجتماعية على أساس التلاعب غير المنضبط إلى حد كبير بالأفكار الأولى، وكان ذلك للتغلب على مثل هذه المفاهيم الخاطئة حول الظواهر الاجتماعية، وبالتالي لاستعادة السيطرة المفقودة للإنسان على العالم الطبيعي، وكان عالم الاجتماع فرانسيس بيكون قد خطط لكنه لم يكمل التأسيس العظيم لقواعد مراقبة الظواهر الاجتماعية.

وكان من المناسب أن يشير عالم الاجتماع أميل دوركهايم إلى عمل عالم الاجتماع فرانسيس بيكون فيما يخص قواعد مراقبة الظواهر الاجتماعية، لأنه تصور بوضوح مشروعه بعبارات مماثلة، فمثلما تسبق مفاهيم الظواهر الطبيعية التي تم تشكيلها بشكل فظ بضرورة التفكير العلمي فيها ومثلما تسبق الكيمياء وعلم التنجيم علم الفلك كذلك لم تنتظر مفاهيم الظواهر الاجتماعية ظهور العلوم الاجتماعية قبل تأطير أفكار القانون والأخلاق والأسرة والدولة، أو المجتمع نفسه.

وفي الواقع يرى علماء الاجتماع أن الطابع الإغوائي للظواهر الاجتماعية المسبقة للمجتمع أكبر حتى من تلك الموجودة في الظواهر الكيميائية أو الفلكية، لسبب بسيط هو أن المجتمع هو نتاج النشاط البشري وبالتالي يبدو أنها تعبير عن الأفكار التي يتصورها البشر وحتى مكافئ لها، في حين أن عالم الاجتماع دي كونتركز على سبيل المثال أكد على فكرة تقدم البشرية والتي تم رفضها من قبل عالم الاجتماع السير سبنسر فقط لتثبيت مفهومه المسبق عن التعاون، وقد طرح سؤال حول إمكانية أن تكون الظواهر الاجتماعية هي في الحقيقة تطور وإدراك لأفكار معينة؟ وقد أجاب عالم الاجتماع أميل دوركهايم حتى لو كان الأمر كذلك فلا أحد يعرف مسبقًا ما هي هذه الأفكار لأن الظواهر الاجتماعية تقدم فقط من الخارج.

وهكذا حتى لو كانت الظواهر الاجتماعية في النهاية لا تحتوي على السمات الأساسية للأشياء يجب أن تبدأ المراقبة والتحقيقات كما لو أنها فعلت ذلك، وأعاد عالم الاجتماع أميل دوركهايم على الفور تأكيد قناعته بما أسماه عالم الاجتماع بيتر بيرجر على نحو مناسب بالشيئية للظواهر الاجتماعية، ويمكن التعرف على الشيء على هذا النحو بشكل رئيسي؛ لأنه لا يمكن حله من خلال أي تعديل من خلال مجرد أفعال الإرادة، وهذه الخاصية هي على وجه التحديد لمقاومة فعل الإرادة الفردية التي تميز الظواهر الاجتماعية، وخلص عالم الاجتماع أميل دوركهايم إلى أن القاعدة الأساسية في كل قواعد المراقبة الاجتماعية هي التعامل مع الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء.

ما هي قواعد مراقبة الظواهر الاجتماعية

من هذا الأمر الأولي تتبع علماء الاجتماع بالضرورة ثلاث قواعد لمراقبة الظواهر الاجتماعية والتي هي على هذا النحو التالي:

1- ضمنيًا في كثير من المناقشة هو إنه يجب على المرء أن يتجاهل بشكل منهجي جميع المفاهيم المسبقة، وهكذا أضاف عالم الاجتماع أميل دوركهايم منهج الشك الديكارتي إلى تحذيرات عالم الاجتماع فرانسيس بيكون فيما يتعلق بالحركات المسبقة، بحجة أن عالم الاجتماع يجب أن يحرم نفسه من استخدام تلك المفاهيم التي تشكلت خارج العلم وللاحتياجات غير العلمية، إذ يجب أن يحرر نفسه من تلك المفاهيم الخاطئة التي تسيطر على عقل الشخص العادي، ويتخلص مرة وإلى الأبد من غير تلك الفئات التجريبية التي غالبًا ما تجعلها العادة الطويلة طاغية.

2- يجب أن يتضمن موضوع البحث فقط مجموعة من الظواهر المحددة مسبقًا بخصائص خارجية مشتركة معينة، ويجب تضمين جميع الظواهر التي تتوافق مع هذا التعريف، وأصر عالم الاجتماع أميل دوركهايم على أن كل بحث علمي يجب أن يبدأ بتعريف تلك المجموعة المحددة من الظواهر التي تعنى بها، وإذا كان هذا التعريف موضوعيًا فيجب ألا يشير إلى بعض المفاهيم المثالية لهذه الظواهر الاجتماعية، ولكن إلى تلك الخصائص المتأصلة في الظواهر نفسها والمرئية خارجيًا في المراحل الأولى من التحقيق، وفي الواقع كان هذا إجراء عالم الاجتماع أميل دوركهايم في قسم العمل، حيث عرّف “جرائم” على أنها كل تلك الأفعال التي تثير ردود الفعل التي يمكن إثباتها خارجيًا والمعروفة باسم “العقوبة”.

وكان الاعتراض المتوقع على مثل هذه القاعدة هو أنها تنسب إلى ظواهر مرئية ولكنها ذات أهمية سطحية غير مبررة، ولكن عندما تُعرَّف الجريمة بالعقوبة، على سبيل المثال ألا تُستمد عندئذٍ من العقوبة؟ وكانت إجابة عالم الاجتماع أميل دوركهايم بالنفي لسببين:

أولاً، لا تتمثل وظيفة التعريف في شرح الظاهرة الاجتماعية المعنية ولا التعبير عن جوهرها بل هو إقامة اتصال مع الأشياء، والتي لا يمكن القيام بها إلا من خلال العوامل الخارجية، وليست العقوبة هي التي تسبب الجريمة ولكن من خلال العقوبة يتم الكشف عن الجريمة، وبالتالي يجب أن تكون العقوبة هي نقطة البداية في التحقيق.

ثانيًا، يشير الاقتران المستمر بين الجريمة والعقاب إلى وجود صلة لا تنفصم بين الأخير والطبيعة الأساسية للأول، بحيث تكون العقوبة مهما كانت سطحية مكانًا جيدًا لبدء التحقيق.

3- عندما يتعهد عالم الاجتماع بالتحقيق في أي ترتيب للظواهر الاجتماعية يجب أن يسعى جاهداً للنظر فيها من وجهة نظر حيث يقدمون أنفسهم بمعزل عن مظاهرهم الفردية، فالعلم يجب أن يرفض تلك الأفكار المسبقة التي تشكلت من خلال خبرة علمية غير علمية مشتركة، وابتكر مفاهيمها من جديد على أساس بيانات يمكن ملاحظتها بشكل منهجي، لكن عالم الاجتماع أميل دوركهايم كان يدرك أيضًا إنه حتى في العلوم الطبيعية يمكن أن تكون التجربة الحسية نفسها ذاتية لذلك تم تجاهل البيانات الشخصية  التي يمكن ملاحظتها جدًا للمراقب، ويتم الاحتفاظ فقط بالبيانات التي تظهر الدرجة المطلوبة من الموضوعية.

ويجب أن تكون الملاحظات الاجتماعية موضوعية بنفس القدر وبالتالي يجب فصل الظواهر الاجتماعية تمامًا قدر الإمكان عن الظواهر الفردية التي تتجلى بها، وعلى وجه الخصوص أيد عالم الاجتماع أميل دوركهايم دراسة جوانب الواقع الاجتماعي التي بلورت القواعد القانونية والأخلاقية وقائع البنية الاجتماعية والأمثال وما إلى ذلك والتي كانت أشياء ثابتة.

كما قام علماء الاجتماع بتحديد ثلاثة قواعد إضافية لمراقبة الظواهر الاجتماعية وهي على النحو التالي:

1- قواعد لمراقبة وتمييز بين الظواهر الاجتماعية الطبيعية والظواهر الاجتماعية المرضية.

2- قواعد لمراقبة دستور أنواع الظواهر الاجتماعية.


شارك المقالة: