كيف يقود الفقر إلى الجريمة

اقرأ في هذا المقال


للفقر والجريمة علاقة حميمة للغاية وصفها خبراء من جميع المجالات من علماء الاجتماع إلى الاقتصاديين، وقد صنفت الأمم المتحدة والبنك الدولي الجريمة على رأس قائمة العقبات التي تعترض تنمية الدولة، فللجريمة القدرة على توليد حلقات مفرغة تسبب البطالة والركود الاقتصادي وعدم الاستقرار، كما يترك الفقر والجريمة معًا للناس خيارين وهو: إما المشاركة في أنشطة إجرامية أو محاولة العثور على مصادر دخل قانونية ولكنها محدودة للغاية عندما يكون هناك أي منها متاحًا على الإطلاق، فما هي آثار الفقر على الجريمة؟ وهل فعلًا كلا وجدت بيئة فقيرة وجدت الجريمة؟

ما هو الفقر

يتعلق الفقر بعدم وجود ما يكفي من المال لتلبية الاحتياجات الأساسية بما في ذلك المأكل والملبس والمأوى، ومع ذلك فإنّ الفقر هو أكثر بكثير من مجرد عدم وجود ما يكفي من المال، حيث تصف منظمة البنك الدولي الفقر بهذه الطريقة بأنّ الفقر هو الجوع والفقر هو نقص المأوى، فللفقر وجوه عديدة تتغير من مكان إلى آخر وعبر الزمان وقد تم وصفه بعدة طرق، وفي أغلب الأحيان الفقر هو الوضع الذي يريد الناس الهروب منه، لذا فإنّ الفقر هو دعوة للعمل للفقراء والأثرياء على حد سواء، وهي دعوة لتغيير العالم حتى يكون لدى الكثيرين ما يكفي من الطعام والمأوى المناسب والحصول على التعليم والصحة والحماية من العنف والصوت فيما يحدث في مجتمعاتهم.

البيئة الاجتماعية الفقيرة والجريمة

على الرغم من أنّ الأسرة قد تكون العامل الأساسي للتنشئة الاجتماعية للأطفال إلّا أنّها لا توجد في فراغ، حيث تندمج العائلات في بيئة اجتماعية أوسع يمكن أن تعمل إما لتعزيز أو تقويض فعالية الوالدين، وتتأثر بشدة قدرة الأسرة على أداء وظيفتها الاجتماعية بشكل فعال بالسياق الاجتماعي الذي تندمج فيه، ويتكون هذا السياق من المؤسسات الاجتماعية مثل الاقتصاد والنظام السياسي والكنيسة والحي أو المجتمع، وتؤثر قيم وسياسات ونزاهة هذه الأنظمة الاجتماعية بالضرورة على أداء وفعالية الأسر.

لسوء الحظ هناك دليل قوي على أنّ الأطفال الذين نشأوا في أسر فقيرة يتعرضون لخطر متزايد لمجموعة متنوعة من النتائج التنموية السلبية بما في ذلك مشاكل السلوك والانحراف، وتشير الأبحاث السابقة إلى أنّ الفقر يميل إلى التأثير المدمر على جودة التربية وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الفقر يزيد من فرص الطفل في السلوك المنحرف، كما أفادت العديد من الدراسات أنّ الآباء الذين يعانون من الإجهاد الاقتصادي يقدمون دعمًا ومراقبة أقل ومستويات أعلى من التأديب غير المتسق والقاسي من الآباء الأكثر ثراءً، ويبدو أنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل الضائقة المالية لها تأثير ضار على سلوك الوالدين.

على الأقل جزئيًا فإنّ الأبوة والأمومة الأقل فعالية التي أظهرها الآباء الفقراء هي نتيجة لانشغالهم واستهلاكهم لتحديات وضغوط الحياة اليومية، وبالنظر إلى هذه المخاوف غالبًا ما يشاركون بشكل ضئيل في دور الأبوة حتى يؤدي سوء سلوك الطفل الخطير أو الصارخ إلى دفعهم إلى العمل، ومن المحتمل أن تتطلب مثل هذه التجاوزات استجابة قاسية بحيث يكون نمط الأبوة المعروض غير متسق ومتفجر.

دور الفقر في تدني الصحة النفسية

كما أنّ الضائقة النفسية المرتبطة بالصعوبات الاقتصادية تزيد من فرص الأبوة والأمومة غير الفعالة، والضغط الاقتصادي عرضة لتعزيز حالة نفسية عصبية وعدوانية تعمل على تقليل الدفء وزيادة العداء تجاه الآخرين بما في ذلك الأطفال، وأخيرًا الآباء الذين يعانون من الاكتئاب هم أكثر عرضة من الآباء غير المضطربين لأن يكونوا غير راضين عن العلاقات الاجتماعية بما في ذلك العلاقات مع أطفالهم، وأفادت العديد من الدراسات على سبيل المثال أنّ الأمهات المكتئبات يميلن إلى اعتبار أطفالهن صعبًا، وأنّ الآباء أكثر عرضة للانخراط في الأبوة والأمومة القاسية أو العقابية عندما يرون أن أطفالهم صعبون.

وبالتالي تشير الأبحاث السابقة إلى عدة طرق يميل بها الانشغال والضيق النفسي المصاحب للضائقة المالية إلى تقليل الدفء والمراقبة مع زيادة التناقض والعداء، كما إنّ هذا النهج تجاه الأبوة والأمومة يعرض الطفل لخطر مشاكل السلوك والسلوك المنحرف أي السلوك الإجرامي، فمن المهم أن يفكر علماء الاجتماع وصانعو السياسات بشكل منهجي في الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين جودة الرعاية المقدمة للأطفال خاصة خلال سنوات التكوين، وعلى عكس النظريات الإجرامية المعنية بالعوامل الاقتصادية والمجتمعية غالبًا ما يُنظر إلى نظريات السلوك المنحرف التي تركز على العمليات العائلية على أنّها ذات آثار سياسية قليلة، وهذا ببساطة ليس هو الحال.

ربما لا يكون من الصعب صياغة سياسات تعزز جودة الأبوة والأمومة ورعاية الأطفال أكثر من تصميم سياسات تزيد من الوصول إلى الوظائف أو تقلل من الفقر والتمييز، وذلك بدلاً من مجرد إلقاء اللوم على الوالدين لعدم قيامهم بعمل أفضل في تربية أطفالهم، حيث يحتاج المجتمع إلى اتباع سياسات اجتماعية تقوي الأسر وتعزز جودة رعاية الأطفال.

إذن هناك علاقة بين الفقر والجريمة، فغالبًا ما يحدث الفقر والجريمة في وقت واحد، ومع ذلك تظهر التحليلات أنّ الجريمة ليست مدفوعة بالفقر وحده بل بسبب عدم المساواة، فالبلدان ذات المستويات الإجمالية من الفقر ليس بالضرورة أن يكون لديها مستويات أعلى من الجريمة، كما إنّها الأماكن ذات المستويات العالية من عدم المساواة في الدخل التي عادة ما تكون بها أعلى مستويات الجريمة، والدافع الآخر للجريمة هو انهيار الأعراف والقيم الاجتماعية الذي يؤدي إلى عوامل مثل البطالة وعدم اكتمال التعليم وانهيار الهياكل الأسرية ومحدودية الفرص والاستبعاد من الاقتصاد الرسمي ، ويزيد من سوء ذلك.

علاقة الفقر بالجريمة

يعتقد العديد من المحللين إلى جانب عامة الناس أنّ الفقر هو سبب بديهي إن لم يكن السبب الرئيسي للجريمة، ولكن يجب أن تذكرنا دراسة جديدة من مجموعة بحثية في جامعة كولومبيا بشيء أظهره التاريخ باستمرار بأنّ العلاقة بين الفقر والجريمة بعيدة كل البعد عن التنبؤ أو الاتساق، حيث كشفت دراسة كولومبيا عن الأخبار المذهلة التي مفادها أنّ ما يقرب من ربع سكان مدينة نيويورك الآسيويين (23 بالمائة) فقراء، وهي نسبة تتجاوز نسبة السكان السود في المدينة (19 بالمائة).

كان هذا مفاجئًا نظرًا للتصور السائد بأنّ الآسيويين هم من بين الفئات الاجتماعية الأكثر ثراءً في البلاد، ولكن الدراسة تحتوي على جانب أكثر إثارة للإعجاب وهي في مدينة نيويورك، حيث يصاحب معدل الفقر المرتفع نسبيًا لدى الآسيويين معدلات جريمة منخفضة بشكل استثنائي، وهذا يقوض الاعتقاد السائد بأنّ الفقر والجريمة يسيران جنبا إلى جنب، فقد كانت معدلات الاعتقال لدى الآسيويين منخفضة باستمرار بسبب جرائم العنف، وعادة ما تكون أقل من نسبتهم من السكان وأقل من نسبة السود واللاتينيين، وفي فئة واحدة (الاعتداء) حتى أقل من تلك الخاصة بالبيض الذين هم كمجموعة بعيدون أقل في كثير من الأحيان.


شارك المقالة: