لماذا يجب أن يكون هناك أنثروبولوجيا معرفية؟

اقرأ في هذا المقال


إن الأسئلة والأساليب والنظريات المستمدة من الأنثروبولوجيا المعرفية هي مناسبة بشكل خاص لدراسة العلوم، كما تؤكد على دور الإدراك في الأنثروبولوجيا المعرفية لدمج الدراسات المعرفية وبالعلوم الاجتماعية.

النهج الأنثروبولوجي المعرفي في دراسات العلوم:

الأنثروبولوجيا المعرفية للعلم على مفترق طرق لعدة تخصصات مثل العلوم المعرفية، التي تزودها بالأدوات بشكل متزايد لدراسة التفكير العلمي ودراسات العلوم، وعلى وجه الخصوص أنثروبولوجيا العلوم التي تثري الموضوع بالعديد من دراسات الحالة، ونظرية المعرفة المتجنسة، والتي تعيد صياغتها باستمرار وهكذا تفتح الافتراضات الفلسفية اتجاهات جديدة لعالم الطبيعة لدراسة العلوم، وأخيرًا، الأنثروبولوجيا المعرفية وعلم الأعراق، التي تقدم مساهمة قيمة من حيث النظرية والأساليب والبيانات التجريبية وبالتالي، تستفيد الأنثروبولوجيا المعرفية من العديد من النماذج والتقاليد وأساليب البحث.

سبب دمج القوة التفسيرية للعلوم المعرفية والأنثروبولوجيا المعرفية:

1- يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا المعرفية أن يظهروا كيف ساهمت القيود المعرفية، جنباً إلى جنب مع العلوم التاريخية والعوامل الثقافية، لمحتويات علم معين.

2- العلوم المعرفية يمكن تحليلها كنماذج أو مخططات ثقافية محددة تؤطر إدراك الأفراد في العمل، وإدراك الناس في أنشطتهم اليومية، وتناشد طرقًا مستنيرة ومحددة في التفكير بالثقافة من خلال الأنثروبولوجيا المعرفية.

3- العلوم المعرفية هي أشياء ثقافية لها أهمية خاصة للدراسة عبر الثقافات لمفاهيم مثل الحقيقة أو السببية، والعمليات المعرفية مثل التفكير أو التصنيف.

4- يمكن تحليل الممارسة العلمية، حيث يتم توزيع الإدراك بين علماء الأنثروبولوجيا المعرفية والأجهزة العلمية.

افتراض المناهج الأنثروبولوجية المعرفية:

تفترض المناهج الأنثروبولوجية المعرفية أن العلم ظاهرة طبيعية، وتواجه هذه الفرضية الطبيعية مقاومة من التأكيد المتجدد على الوضع الخاص للعلم كمشروع عقلاني. ومن هذا، لخّلص البعض إلى أن الدراسات المعرفية في الأنثروبولوجيا المعرفية فقط هي التي يمكن أن تكشف الطبيعة الحقيقية للعلم، وقد أكد البعض أن النظريات المعرفية لا تفعل ذلك بل تتفق مع نظرية المعرفة النسبية التي ينادي بها علم اجتماع المعرفة.

سبب اعتبار العقلانية في الأنثروبولوجيا المعرفية مجرد افتراضات:

علماء الأنثروبولوجيا المعرفية منذ فترة طويلة يكافحون من أجل حل العديد من المشاكل التي لمح إليها النقاد، حيث غالبًا ما تم تحدي العقلانية باعتبارها مجرد افتراضات عرقية غربية، والسبب بذلك يرجع إلى ما يلي:

1- إن الأنثروبولوجيا المعرفية تسمح بإعادة صياغة المشكلة من جديد من خلال تحليل الإدراك لعمليات فكرية تؤدي إلى معتقدات حقيقية في ظروف الوضع الطبيعي، ولكن كآليات عقلية أو خصائص تحافظ على الكثير من الثقافات المتنوعة.

2- وفي هذا المنظور، الأنثروبولوجيا المعرفية سوف تهدف إلى اكتشاف جوهر العلم.

3- وسوف تحقق بالأحرى الطرق التي يسمح بها الجهاز العقلي بإنتاج الظواهر الثقافية الموجودة في تاريخ العلم.

4- وبالمثل كيف البيئات الثقافية المحددة للعلم تقيد العقلية أو تعلمها العمليات المعرفية.

التفاعل بين الإدراك العلمي والثقافات العلمية في الأنثروبولوجيا المعرفية:

من خلال نهج أنثروبولوجي معرفي، يمكن للمرء أن يبحث تجريبياً عن خصائص الأفكار والممارسات العلمية. والتحرر من جدول أعمال معياري أو ادعاءات جوهرية مرتبطة به، حيث تهدف إلى وصف الثقافات العلمية وحتى الإشارة إليها من حيث أبرز السمات. ولكن إذا كان بإمكان المرء تحديد المجتمعات العلمية، فمن الصعب بكثير وصف هذه الثقافات من حيث الممارسات المعرفية. ومرة أخرى، والسؤال الكلاسيكي في الأنثروبولوجيا المعرفية هو: هل تنطوي الثقافات المختلفة على طرق مختلفة في التفكير؟ أذ يمكن العثور على الإجابة الأكثر جذرية في النسبية المعرفية القوية، ووفقًا للثقافة التي لها تأثير مهم جدًا في تأطير العمليات والقدرات العقلية.

ففرضية عالما الأنثروبولوجيا سابير وورف، على سبيل المثال، تفترض أن التفكير والإدراك يختلفان جذريًا عن لغة مجتمع واحدة لآخر. وأحدث النتائج، قد أظهرت أن العقل غني بالبنى الفطرية والقدرات التي تسمح بذلك وتقيد بشدة التفكير البشري، ودراسة برلين وكاي، على سبيل المثال، تقترح أن امتدادات مصطلحات اللون مقيدة من خلال عوامل معرفية وبيولوجية عالمية بدلاً من كونها كلية بالنسبة للطوارئ الثقافية التي من شأنها تقييد الإدراك.

وهناك في الأنثروبولوجيا المعرفية، اتجاه بحثي يهدف إلى التعبير عن العلاقة السببية من القيود المعرفية الفطرية لعقل البشر كجهاز لتنوع الظواهر الثقافية، ويطبق هذا الاتجاه البحثي على علوم الحياة التي تفترض وجود قدرة فطرية للتفكير في الأنواع الحية التي قيدت تاريخ الطبيعة، وكذلك تاريخ الممارسات البحثية الحالية في النظرية الداروينية الجديدة.

فرضية الاستمرارية في الأنثروبولوجيا المعرفية:

فرضية الاستمرارية تفترض أن العقل أو الدماغ يسمح بما يكفي بتغييرات جذرية في تنظيم الجهاز العقلي خلال مسار التعليم العلمي أو تبقى العمليات العقلية العادية والعلمية متشابهة بشكل أساسي، وهذه الفرضية تقدم بحثًا مركزيًا في مختلف فروع الأنثروبولوجيا المعرفية كالبيولوجيا العصبية على ليونة الدماغ علم النفس التنموي على تأثير التعليم العلمي وعلم النفس التطوري فيما يتعلق بمعقولية القدرات المفترضة والأنثروبولوجيا التاريخية على المقارنة، وفي الأنثروبولوجيا المعرفية هناك قضايا متعلقة بالعلاقة بين النظريات الشعبية والعلمية والمعرفة والممارسات.

فهل التصرفات المعرفية تحمل وتقيّد العلم بنفس الطريقة التي يقدمون بها ويقيدون المعرفة الشعبية؟ هل يُنظر إلى تطور العلم على أنه عملية ثقافية للتحرر من القيود المعرفية؟ هل يدير العلم الموارد المعرفية مثل الذاكرة والخيال وقدرات التفكير بنفس طريقة المؤسسات الثقافية الأخرى مثل الدين؟ حيث أن دراسة الأنثروبولوجيا المعرفية تسمح للبشر بفهم كيف يتم توجيه عمليات التفكير أو تأطيرها أو جعلها ممكنة إلى الحد الذي يولد تفكيرًا علميًا على وجه التحديد. ومشكلة الاستمرارية تكمن في طريقة استغلال المقارنات وتحديد الهويات بين الظواهر المعرفية، وبالتالي، هناك عدة طرق لفهم فرضية الاستمرارية، اعتمادًا على أي منها تعتبر ظواهر المعرفية مستقرة عبر الثقافات ومدى الحياة.

النماذج العقلية في الأنثروبولوجيا المعرفية:

النماذج العقلية في الأنثروبولوجيا المعرفية هي بنيات عقلية تمثل موقفًا أو حدثًا أو عملية ولها أوجه تشابه بنيوية مع ما تمثله، حيث يتم دراستهم في كل من الدراسات المعرفية للعلوم وفي الأنثروبولوجيا المعرفية، ولكن من منظور مختلف نوعًا ما. ففي الدراسات المعرفية يبدأ البحث في النماذج العقلية كرد فعل على أوجه القصور في الوضعية المنطقية، والتي تهدف إلى وصف المعرفة العلمية من حيث النظم البديهية، والتفكير العلمي من حيث العمليات المنطقية والنحوية على التمثيلات الافتتاحية.

وعلى عكس هذا الرأي، فقد ثبت أن النماذج العقلية تلعب دورًا رئيسيًا في البنية المعرفية للنظريات العلمية وفي الاستدلال العلمي مثل  النمذجة التناظرية والبصرية والمحاكية، وفي الأنثروبولوجيا المعرفية، كان التركيز على النماذج الثقافية، وهي النماذج العقلية المشتركة ثقافيًا مثل نموذج الزواج.

حيث يكتسب النموذج العقلي دور مهم فقط عندما يتم مشاركته من قبل المجتمع العلمي. ففي الرياضيات، على سبيل المثال، طرق الإثبات، والطرق الجدلية والإثبات، يجب أن تكون النماذج الثقافية لعلماء الرياضيات بنفس طريقة نماذج كوين كنموذج الزواج.

ومع ذلك، فإن النماذج الثقافية العلمية سوف تفعل ذلك غالبًا بحيث تبدو معقدة للغاية وغير بديهية، وتتطلب غالبًا إعادة التنظيم لفهم المجال من خلال التغيير المفاهيمي. وهذا يثير مرة أخرى مشكلة التعليم العلمي والاتصال والأسئلة حول إمكانية وعمليات التغيير المفاهيمي. وبينما يتم توزيع نموذج علمي عقلي بين المجتمع العلمي يظهر بشكل جيد فائدة النهج الأنثروبولوجي المعرفي.

الإدراك العلمي المتجسد في الأنثروبولوجيا المعرفية:

أتى هذا النهج بشكل رئيسي من الأنثروبولوجيا المعرفية، ولكن أيضًا من منظور بيئي في علم النفس المعرفي وفلسفة العقل والتعليم، حيث تظهر الدراسات في الأنثروبولوجيا المعرفية اهتمام كبير بمفهوم الإدراك الذي يأخذ في الاعتبار بجدية الجوانب غير العقلية للإدراك.

وفي طليعة البحث تتناول دور التمثيلات المرئية، والذي يوضح حدود حساب الافتراض التقليدي للإدراك العلمي. كما هو الحال عندما يضيف المرء أعدادًا كبيرة، ويضع تمثيلاتهم المادية على الورقة ثم يقوم بإضافة كل منها بعد إجراء تفصيلي، حيث يبدو أن علماء الأنثروبولوجيا المعرفية يعتمدون إلى حد كبير على التمثيلات المرئية، وكذلك على التمثيل الخارجي لإنتاج المعرفة والاتصالات.

كما أن المصنوعات اليدوية لها دور كامل في توليد التمثيلات العلمية، وفي النهاية عندما يكون تدفق التمثيلات العلمية وتحولاتها تدرس بدون قيود تعسفية على العمليات العقلية البحتة، يمكن للمرء أن يأخذ على عاتقه مهمة وصف النظم المعرفية الموزعة بين العوامل البشرية والمصنوعات اليدوية، والإطار التالي يؤدي إلى تحليل التنظيم الاجتماعي للأنظمة المعرفية المنتجة في الأنثروبولوجيا المعرفة، ويشير إلى الظواهر الأساسية حيث يكون الإدراك والاندماج الاجتماعي.


شارك المقالة: