الفاتيكان:
مرت الفاتيكان منذ القدم بعدة مراحل، فسكنها الكثير من السكان الذين كان لهم دور كبير في تشكيل ثقافتها وحضارتها، فعندما أقام فيها الرومان أصدر الإمبراطور “كاليجولا” أمر ببناء القلاع الكبيرة التي كان يتم فيها أعمال العنف ضد المسيحيين.
تاريخ الفاتيكان القديم:
تميزت فترة القرن الأول بالأعمال الرومانية الوحشية، وتم بناء الكثير من المقابر لدفن المسيحيين، في عام 326 ميلادي تم بناء أول كنيسة في الفاتيكان، على الرغم من أنّ الديانة المسيحية كانت ممنوعة في الإمبراطورية الرومانية.
خلال فترة القرن السادس ميلادي، سيطرت الفاتيكان على شبه الجزيرة الإيطالية، وأطلق على تلك المناطق اسم الدولة البابوية، وكان يتم حكمها من قِبل الحكم البابوي، وتشكلت من عدة مدن منها روما، لاتسيو، ماركي، وتم من خلالها تشكيل دولة إيطاليا المعاصرة، ويعود السبب في تشكيل الدولة البابوية؛ هو قيام الإمبراطورية الرومانية نقل عاصمتها إلى القسطنطينية؛ ممّا أضعف وجودها.
تمكنت الكنائس في الفاتيكان الحصول على أراضي شاسعة، وكان يتم دعمها مالياً من قبل الأغنياء والنبلاء في روما، لم يتم تشكيل الدول البابوية بسهولة، فقد دارت عدة صراعات بين الرومان والبابا، والذي تمكن في النهاية من تحقيق النصر، في تلك الفترة كانت نفوذ الإمبراطورية الرومانية والقوط تزيد بشكل كبير في أوروبا، ونفذوا عدة هجمات على الدولة ومنها على إيطاليا، تمكن البابا التصدي للهجمات التي تعرضت لها روما والمناطق المجاورة لها، وتم عقد اتفاق بخروج القوط من روما.
لم تستمر علاقة السلام بين الرومان والدولة البابوية، وكان سبب الصراع؛ عندما قامت الدولة البابوية بتحريض قائد الجيش الفرنسي بتولي الحكم في فرنسا بدل الملك “شليدرك الثالث”، لتعلن فرنسا بقيادة ضخم ضد إيطاليا، لتبدأ الحرب بينها وبين الإمبراطورية الرومانية، لكن العلاقات بدأت بالتحسن، عندما قام البابا بتتويج “شارلمان” إمبراطوراً في الإمبراطورية الرومانية.
مع بداية القرن الحادي عشر ميلادي، قام البابا بالطلب من الدول الأوروبية إعلان بدء الحملات الصليبية، تمكنت الحملة الصليبية الأولى من تحقيق النجاح؛ ممّا زاد هيمنة البابا في أوروبا، فقد كان البابا يعتبر في ذلك الوقت هو الحاكم في الدول، ولم يكن للملوك دور سوى تنفيذ الأوامر، في القرن التاسع ميلادي تراجعت قوة الدولة البابوية، ولم يعد للبابا دور في إدارة الأمور الداخلية والتي كان يقوم بها الحكام الإداريين، وكان الأباطرة يقومون بإدارة العلاقات الخارجية من علاقات سياسية واقتصادية.
بدأت الصراعات بعد ذلك بين الأباطرة الألمان والبابوات على الحكم المسيحي، في القرن الرابع عشر ميلادي انقسمت الدولة البابوية إلى قسمين، القسم الأول كان حاكماً في الإمبراطورية الرومانية، أما القسم الثاني فقد حكم في إنجلترا، فرنسا، إسبانيا.
قام البابوات باتخاذ جنوب فرنسا مقراً لهم، وفي روما كانوا تحت سيطرة الأباطرة الألمان؛ ممّا أدى ذلك إلى إضعاف سلطتهم، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية قراراً بشرعية حكم البابوات، عانت الدولة البابوية من الأمراض والفقر؛ ممّا اضعف وجوده، قرر مجموعة من الباباوات الذهاب إلى روما وفرنسا، لتبدأ الصراعات على الحكم، بعد نهاية الصراعات، بدأت الفاتيكان تعيش حالة من الازدهار، فقامت ببناء الجامعات، وأخذت تهتم بالثقافة، ليصبح لديها أهم الجامعات في أوروبا.
كان في ذلك الوقت بداية عصر النهضة في أوروبا، وكان لفتوحات إسبانيا واكتشاف العالم الجديد دور كبير في تطور عصر النهضة في إيطاليا، فكان يتم إحضار الأموال والذهب إلى إيطاليا، وذلك حسب اعتقادهم أن الانتصارات التي حصلوا عليها، كانت بسبب مباركة الفاتيكان، فبدأت إيطاليا بتطوير مدنها وجعلها من أهم المدن في أوروبا.
أخذ العلماء في الفاتيكان الاهتمام بشكل كبير في العلم وبناء المكتبات التي كانت تحتوي على الكتب، وخلال عصر النهضة حدث انقسام البروتستانتية في ألمانيا، وظهرت عمليات الإصلاح، فكان يتم مكافحة الفساد الذي كان سائداً في الدولة البابوية.
في القرن الثامن عشر ميلادي قامت الثورة الفرنسية وبدأت حملات نابليون على إيطاليا، وكان لها تأثير كبير على الفاتيكان، وعلى الرغم من سقوط فرنسا النابليونية، لكن تأثيرها لم ينتهي، حيث ظهرت الأفكار القومية؛ ممّا دفع إيطاليا إعلان الحرب على الفاتيكان، وتمكنت من مهاجمة الدولة البابوية ومحاصرة روما، لم يقوم البابا بأي رد عنيف ضد ذلك الهجوم، ومع استمرار الصراعات تم ضم الدولة البابوية على المملكة الإيطالية، وبقيت الفاتيكان والمناطق المحيطة لها، يتم حكمها بشكل مستقل من قِبل البابوات.