ما هي الثقافة الفرعية؟
ترمز الثقافة الثانوية، الفرعية أو الخاصة إلى مجموعة من الناس أو شريحة اجتماعية معينة تختلف في وجهة معينة عن ثقافة أكبر هي جزء منها، وقد يكون الاختلاف متعلق بنمط الحياة والمعتقدات أو التخصص في أحد مجالات المعرفة أو طريقة رؤية العالم.
الثقافة المتجزئة يمكن أن تجمع بين مجموعات من الناس ذات خصائص مماثلة، مثل العمر والعرق والطبقة الاجتماعية أو الدين أو المعتقدات السياسية. كل ثقافة فرعية معينة تعكس المعارف والممارسات أو التفضيلات الجمالية أو الدينية، أو السياسية أو غير ذلك.
وتشتهر في بعض الأوقات بطبقة اجتماعية أو أقلية لغوية وعرقية وسياسية ودينية أو منظمة اجتماعية، إن التعريف الوارد للفرعية في كثير من الأحيان هو معارضة لقيم الثقافة الأكبر التي وكأنهم فيها منغمسون، ولكن على هذا لم يكن هناك اتفاق بين علماء الاجتماع.
عكست خطوط الأزياء والموسيقى واللغة والسلوك التي يتبعها الشباب بصفة عامة موضوعاً للدراسات الأكاديمية والجدل الإعلامي في العالم منذ ظهور المراهقين الأثرياء في البلدان الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بالتحديد، وتميل الدراسات الأكاديمية إلى التركيز على الشباب من الرجال.
حيث أن عدد من الباحثين والكتاب في السبعينيات مثل ديك هيبدايج بدراسة جماعة “البانك” المتشردين والمتفرقين وأصحاب المواضيع الجديدة والمغرمين بموسيقى الروك، الأمر الذي أفرز مصطلحي “ثقافة الشباب” و”الثقافة الفرعية” اللذين كادا يكونان مترادفين، وفي الثمانينيات بدأت بعض الكاتبات النسويات مثل أنجيلا ماكروبي يرفضن تعريف “ثقافة الشباب” كنوع من الممارسة العامة، ويدخلن الطقوس الخاصة للشابات والفتيات في سياق هذا الجدل.
فالحدود التي تلتزم بها ثقافة الشباب وبالأخص باعتبارها سوقاً تجارية تفضى لتتغلغل في مرحلة الدراسة الثانوية حتى وصلت إلى تلميذات المدرسة الابتدائية وإلى المهنيات الشابات في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر، واللاتي أطلقت عليهن تسمية “الشباب في أواسط العمر”.
وكما كتب في مبحث النظرية الثقافية فإن مصطلح الثقافة الفرعية مصطلح شامل وهام، ويعود سبب ذلك بالأخص أنه يفتح الفرصة للاعتراف بتعدد الثقافات في كل مجتمع ثقافي. وبينما كان المصطلح القديم لثقافة الشباب يميل إلى افتراض وجود ثقافة واحدة متجانسة بين الشباب، يؤكد مفهوم الثقافة الفرعية تفتت هذه الثقافة، خاصة تبعاً للخطوط الفاصلة بين الطبقات.
وكما هو الوضع مع مصطلح الثقافة العاكسة يميل مفهوم ”الثقافة الفرعية“ إلى افتراض وجود شكل ما من أشكال المقاومة للثقافة السائدة. ومع هذا، فإن مصطلح ”الثقافة المضادة” يتزايد استعماله في الحاضر للإشارة إلى الجماعات القادرة على تقديم تبرير وتصوير عقليين لوضعها الاجتماعي، أما الثقافات الفرعية فتبرز تعارضها مع المجتمع أساساً من خلال استخدامها لدلالات طراز الملابس.
ولأنماط وأشكال محددة من السلوك أو الشعائر تتجزء مصطلحات الثقافة المعاكسة والثقافة الفرعية مع مصطلح الهوية وقد تعمل على عدم الاستمرار لثقافة محددة.
من أرسى قواعد مفهوم الثقافة الفرعية؟
على الرغم من أن الباحثين الأنثروبولوجيين هم من أرسى معنى “الثقافة الفرعية” في البداية، إلا أن علماء الاجتماع هم من استخدمه كثيراً وفي مجال عريض من الموضوعات الاجتماعية، بما في ذلك دراستهم للنزعة الجنحية في خمسينيات القرن العشرين، والتربية في الستينيات، والأسلوب في السبعينيات من القرن نفسه.
وبهذا المصطلح نفهم الثقافة بكونها أسلوب حياة، وتضم خرائط المصطلح التي تشكل كيفية إحساسنا وفهمنا للعالم. ويقصد من كلمة فرعي إلقاء الضوء على السبل التي تميل المجموعات التي تمت دراستها إلى أن تكون مجموعات تابعة، أو سرية أو هدامة، وبالتالي تعد مجتمعات سفلية.
ولكنها لم تقم بالخروج عن إطار ثقافة منتشرة. وبالإضافة إلى أنه لم يقم علماء الاجتماع بالاكتفاء بدراسة طريقة استهجان الغالبية لتلك الثقافات الفرعية، إلا أنهم قاموا أيضاً بفحص طرق إدراك أعضاء تلك الثقافات لاختلافهم والتصدي لوضعيتهم من خلال تبني أساليب معينة بديلة في مواجهة تلك الثقافة الواسعة النطاق.
تتعدد أصول هذا المصطلح، غير ان سوسيولوجيا الانحراف في أمريكا كانت ذات تأثير قوي وخاص. ونخص هنا سوسيولوجيا التمدين، وهو المفهوم الذي عملت جامعة شيكاغو على تطويره في مطلع القرن العشرين، حيث رسخت العديد من القضايا المحورية التي نقحت في دراسات لاحقة.
علماء اجتماع اعتبروا أن شيكاغو المدينة موزاييكا منتظماً من أصول مميزة، يحوي الأحياء الصناعية والمقاطعات الاثنية والمناطق الاجرامية. وتطورت تلك التي تسمى بالمناطق الطبيعية من خلال الارتباط ببعضها لتصيغ إيكولوجيا حضرية.
وقد درست أبحاثهم عن النزعة الجنوحية الناشئة عن أن هناك بقاعاً معينة في المدينة تكون أكثر عرضة من غيرها لتكون بقاعاً اجرامية، بغض النظر عن المجموعة الاثنية التي تعيش بها، وعن أن انتقال تلك المجموعات للعيش في مناطق أخرى يؤدي إلى انخفاض معدلات الجريمة.
رفض هذا الاستنتاج تأويلات الزيغ والانحراف السيكولوجية التي كانت سائدة وقتذاك، حيث قالت أن الجريمة تنبع من أمراض نفسية في الفرد وعيوب في الشخصية. واعتبرت النظرية الجديدة أن مجتمعات الأكواخ والاكشاك تتصف ببنيتها الاجتماعية وأعرافها الثقافية الخاصة التي تضفي الصلاحية على أساليب المعيشة المنحرفة، وتنظر إلى أنشطة العصابات الإجرامية باعتبارها من الأعراف.
أثناء أربيعينات القرن العشرين تم البحث حول الصعوبات في التعيين الأنثربولوجي للعصابات وذلك بواسطة مصطلح الثقافة الفرعية، ومن جديد حظيت التقدمات الأمريكية أهمية مع اهتمام علماء الاجتماع في شيكاغو: وبالأخص كيفية تفسير المشكلات الاجتماعية ذات الصلة باللامساواة بين الطبقات.
وتم تعريف العصابة بصفتها ثقافة ثانوية ذات منظومة قيم على المحك مع الثقافة السائدة، تميزت بمفردات متخصصة، ومعتقدات مشتركة، بل وبملابس مختلفة. ومن ثم اعتبرت الثقافات الفرعية حلولاً جماعية للإشكالات البنيوية التي فرضها موقع طبقة وخبرات مغايرة.
وكان القرار أن شباب الطبقات العاملة يلتحقون بالعصابات كرد فعل على قيم سائدة في الطبقة الوسطى تتعامل معهم بتفرقة وتمييز. وبالتالي يتحقق الوضع الاجتماعي من خلال وسائل منحرفة وقلب قيم الطبقة الوسطى من قبيل احترام الملكية وتأخير المتعة.
خلال ذلك حظيت بالاهتمام الكبير ليس باللامساواة الطبقية فقط، بل كذلك بعدم جدوى تعليم شباب الطبقة العاملة. وركز عدد من الدراسات على أن الترف جلب حلاً جماعياً لمشكلاتهم، وصار بديلاً من الإنجاز الدراسي.
عملت هذه المقاربة الثقافية التي تأثرت بشدة بأحدث البحوثات النظرية في الماركسية الأوربية وعلم الإجرام الناشيء في بريطانيا إلى ربط الأساليب الثقافية الفرعية بالطبقة الاجتماعية والثقافة والأيديولوجيا. ودرس تأويل قديم لفيل كوهين ظهور المودز وحليقي الراس في الحي الشرقي بلندن، وذلك من خلال تحليل ذكي لتفكك الطبقة العاملة وانمحاء ثقافتها التقليدية مع التراجع الاقتصادي والتغير الحضري.