نظم الحجاج في العراق في عهد عبد الملك بن مروان؟
عندما بلغ عبد الملك بن مروان أنّ أهل العراق مرنوا على العصيان قرّر أن يتبع سياسة الشدة والحزم، وطالما أنّهم بدأوا بالفتن وسلكوا سبل الفي وآثروا الخلاف والشقاق، رأي أنهم لا يصلح لهم إلا اتباع سياسة الشدة والقوة، وبهذا قرّر أن يرمي لهم الحجاج بن يوسف الثقفي وهو القائد الذي كان في حرب عبد الله بن الزبير، وبعد تلك الحرب اكتسب شهرة كبير وجعله عبد الملك والياً على الحجاز.
وبعد أن انتهى عبد الملك بن مروان من مشاكله وتحققت وحدة الدولة قام بنقل الحجاج بن يوسف الثقفي من الحجاز وجعله والياً على العراق كله، بالإضافة إلى المشرق باستثناء خراسان وسجستان، وعندما وصل الحجاج إلى الكوفة صعد للمنبر وخطب بأهلها خطبةً مشهورة مليئة بالتهديد والوعيد:
“يا أهلَ الكوفةِ، أَمَا واللهِ إِنِّي لأَحْمِلُ الشَّرَّ بِحِمْلِهِ، وَأَحْذُوهُ بِنَعْلِهِ، وَأَجْزِيهِ بِمِثْلِهِ، وَإِنِّي لأَرَى أَبْصارًا طَامِحَةًَ، وأعْنَاقًا مُتَطَاوِلَةً، ورُؤُوسًا قد أَيْنَعَتْ وحانَ قِطَافُها، وَإِنِّي لَصَاحِبُها وكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى الدِّمَاءِ بينَ العَمَائِمِ واللِّحَى تَتَرَقْرَقُ”.
وكانت هذه السياسة التي قام باتباعها الحجاج بن يوسف الثقفي مع أهل العراق، وهي سياسة الحكم العرفي أو العسكري وسار عليها في فترة حكمه كاملة، وخلال هذه الفترة حدثت الكثير من حركات التمرد والعصيان على الحجاج وعبد الملك، ولم يكن ليسمح بأن يخرج الجيش الذي خرج لقتال العدو أن قاتل أهله، ولو أنّ هذه الثورات قد نجحت لأدّت لانشقاق الدولة ووقوع حرب أهلية، وستتعرض الدولة لنتائج خطرة.
ولكن هذه الثورات كانت تدل على أنّ السياسة التي اتبعها الحجاج سياسة خاطئة؛ لأنه اتبع سياسة قهر وعنف ولهذا نفرت الناس منه وحُفرت في قلوبهم الكراهية والبغضاء له، ولأنه لم يحاول أن يجتذب قلوب الناس بالعدل والرحمة، كما أنه وجب على عبد الملك بن مروان بعد أن انتهى من أمر الخوارج أن يستبدل الحجاج بوالٍ آخر ولكنه لم يفعل ذلك، ولهذا قامت هذه الثورات والنزاعات.
وهذا كله بسبب معاملة الحجاج بن يوسف لأهل العراق على أنهم يعيشون في إقليم محتل وأهله شعب مغلوب، كما نعتهم بأنهم أهل الشقاق والنفاق والغدرات والنزوات، وبهذا انعدمت الثقة بين الشعب والجهة الحاكمة، كما اعتمد هذا النظام الديكتاتوري في حكمه لهم على جند الشام، ولهذا قام هؤلاء الجنود ببناء مدينة واسط حتى تكون قاعدة لهم.
وكانت هذه المعاملة التي اتبعها الحجاج بن يوسف الثقفي قد أثرت على سمعة عبد الملك بن مروان، ولو أنّ هذه السياسة قد نجحت على المدى القريب لا بُدّ أن أن يحدث الكثير من النتائج الضارة والخطرة في المدى البعيد، ومع كل ذلك لم يجب على أهل العراق أن يقوموا بتلك الثورات فلا يمكن أن تُحل هذه المشاكل عن طريق رفع السيف وقتال المواطنين.