مداخل التنمية الاجتماعية في علم الاجتماع:
يقصد بمداخل التنمية مجموعة التصورات التي طرحت في التراث بصدد العوامل الاستراتيجية لإطلاق عمليات التنمية، وحول كيفية فهم قضايا التخلف والتنمية داخل الدول المختلفة، ومن أهم هذه المداخل:
1- مدخل النماذج المثالية:
يمثل هذا المدخل تصوراً تصنيفياً فمن أجل فهم قضايا وأبعاد وملامح التخلف يجب أن تقاربها بقضايا وأبعاد التقدم، وتقدم النماذج المثالية على صياغة تصورات تشتق من دراسة الواقع بعد تجريدها وتعميمها، وهذا يعني أن النماذج المثالية هي محاولة منهجية لتحقيق وضوح الرؤية أمام الباحث في علم الاجتماع، في ضوء تعدد وتشابك وتعقيد الواقع الاجتماعي.
وتظهر هذه الأنماط التصورية في عدة أشكال كالوحدات والمفهومات والعمليات وصور العلاقات الاجتماعية، وتتخذ هنا شكل الأنماط القطبية والتقليد الخاص بالمقابلة بين الريف والحضر والمجتمع البدائي والمجتمع الحديث، والمجتمع المتخلف والمجتمع المتقدم اتجاه قديم ظهر في الدراسات الاجتماعية عند العديد من العلماء اعتباراً من فردناند تونير وإميل دور كايم حتى تالكوت بارسونز.
ويشير مونت بالمر في دراسة له عن أزمة التنمية السياسية إلى أن مدخل التقليدية الحداثة يساعدنا على فهم الفروق التنظيمية والسلوكية بين النموذجين وعلى معرفة أساليب الانتقال من نموذج إلى آخر، وعلى إدراك التشابك بين الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ومراعاة ذلك عند التخطيط للتغير.
2- مدخل المتصلات الثقافية:
وهنا لا تقوم محاولة الفهم على أساس المقابلة بين نماذج مثالية متناقضة، إنما على أساس تصور المراحل الوسيطة التي تحقق انتقال المجتمع من قطب مثالي إلى قطب مثالي آخر أو الاقتراب منه على الأقل، وكانت المشكلة المنهجية والنظرية والواقعية التي صادفت أنصار هذا المدخل امكان تحديد هذه المراحل الوسيطة بدقة والخروج بتعميم يحددها يستند إلى دراسات واقعية مقارنة.
ومن أهم ممثلي هذا المدخل روبين وليامز، وأولاف لارسون وغيرهم، ويطرح روجرز ولارسون مجموعة من الأسئلة ما الذي يتغير؟ وما هو كم التغير ومداه؟ وما معدل التغير وسرعته؟ وما هي طبيعة الظروف العامة قبل حدوث التغير؟ وما الذي حدث خلال عملية الانتقال؟ وما هي مثيرات التغير وميكانزماته المختلفة؟ وما الذي أدى إلى تثبيت التغير عند نقطة محددة؟ وما هو اتجاه المسيرة العامة للتغير؟ والمشكلة الأساسية هي صعوبة تكميم الإجابات مما يصعب معه تحديد موقع المجتمع على المتصل الثقافي.
ويحدد الباحثان أهم ملامح النمط الحديث في التجديد والرشد والتقدمية والنمو وتختلف نقاط التركيز من باحث إلى آخر، ومثال هذا تركيز لارسون وروجرز كان على التجديد والرشد والتقدمية والنمو أما تركيز كل من وليس ساتون وتوماس فورد كان على أبعاد التنظيم الداخلي، والعلاقات الداخلية والقيادة واتخاذ القرار.
3- مدخل التحضر:
يحاول بعض الدارسين مثل كنجزلي دافيز وهلدان جولدن ربط عمليات التنمية بعمليات التحضر التي ترتبط في نظرها بعمليات التحول الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بشكل عام، ويطرحون أهمية دراسة الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية قبل وأثناء وبعد عمليات التحول الصناعي، ويتمثل التحضر عند أنصار هذا المدخل في محصلة عدد سكان المدن مقسوماً على العدد الكلي لسكان المدن، ويربط أنصار هذا المدخل بين التحضر والتصنيع من جهة وبين عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، ويتخذ أيضاً هذا من درجة التحضر ودرجة التحضر ودرجة الكثافة الزراعية معياراً للتخلف والتنمية.
وهم يناقشون ضمن هذا المدخل قضايا مثل التوزيع السكاني والهجرات الداخلية من حيث اتجاهاتها ودوافعها وآثارها على تحقيق الخلل أو التوازن الأيكولوجي، كذلك فإنهم يناقشون ديناميات التحضر وأمراض التحضر وما يطلقون عليه التحضر الزائد، وهي ظاهرة مرضية ترتبط بالفقر وزيادة عدد السكان بنسب كبيرة في الناطق الريفية لا تتناسب مع نسبة تزايد الموارد الاقتصادية.
وقد خرج ديفيز وجولدن من دراسة هذا النوع من التحضر إلى أنه يصاحب الركود الاقتصادي، ويرتبط إيجابياً بتعويق أو دفع حركة النمو الاقتصادي، ويرتبط بالتغيرات الراديكالية في بعض الأحيان نتيجة لما يثيره من مشاعر الاستياء والسخط لدى سكان الحضر نتيجة مشكلات الفقر والبطالة وانخفاض التعليم وتدني المستويات المعيشية بشكل عام، وهذا يشير إلى أن العلاقة بين التحضر والتنمية ليست بسيطة ولكنها علاقة عليه دائرية معقدة.
4- المدخل التطوري والتاريخي:
يرتبط هذا المدخل بحركة فلسفة التاريخ بالنموذج التطوري المطروح في الدراسات الاجتماعي، سواء التطور في خط مستقيم أو في خط دائري، كما يرتبط بما أطلق عليه النظرية العامة في التطور ونظريات التطور المتعدد الاتجاهات ولعل المشكلة المنهجية في هذا المدخل هي إمكانية تحديد مراحل للتطور الإنمائي مستقاة من دراسات واقعية مقارنة من خلال عينات ممثلة من المجتمعات العالمية تسمح بالتعميم.