مرحلة القهر والرضوخ في التخلف الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


امتدت مرحلة القهر والرضوخ زمناً طويلاً تقريباً، حيث يشكل زمن الرضوخ والخضوع والاستكانة أو المدة المظلمة من تاريخ المجتمع حصر الانحطاط، وتكون قوى التسلط الداخلي والخارجي في أوج سطوتها وحالة الاستجابة في أشد درجاتها، عملية انهيار قيمة الشخص المقهور وطغيان أنوية المتسلط تأخذ أهم أشكالها وضوحاً وصراحة.

مرحلة القهر والرضوخ في التخلف الاجتماعي

تلونت هذه المرحلة بسماتها وتصبغت بصفاتها الظاهرة، بالأفكار الشائعة بين التخلف بكل ما فيه من سلبية وجمود وخرافية وانحطاط، وهي التي شجعت الأحكام التبخيسية المسبقة التي موّنها المستعمر والمتسلط الداخلي عن الشعوب المقهورة، جاعلاً من سمات مرحلة واحدة طبيعة ثابتة لتلك الشعوب، مما يبرز الاستفادة منه وتسلطه، إنها جماهير منحطة لا تتمكن من أن تحكم ذاتها أو تستغل إمكاناتها وثرواتها، ولذلك فلا بد لها من حاكم متسلط، ولا بدّ لها من مستفيد حليف له، يثمن هذه الثروات المهدورة.

معظم الكتابات الغربية عن التخلف لم تتمكن من أن ترى منه سوى هذه المرحلة التي تتسم بالعجز والقصور علة كافة الأصعدة، وهو أمر يدعو للعجب حقاً، نظراً لما يعتريه من عمى إدراكي، يؤدي فعلاً إلى تبخيس مقصود، أو لا إرادي لهذه الشعوب ولطاقاتها التغييرية الكامنة حين لم تر سوى الكسل والجهل والمرض، والخضوع والغرق في الخرافة والقدرية.

تلك هي مشكلة الملاحظة الخارجية والنظرة التي تبقى طافية على السطح، والتي لا تعرف سوى الظواهر الخادعة، وهي في الحقيقة مشكلة البرود البشري، انعدام التعاطف مع الفرد المتخلف موضوع البحث والنظر إليه كظاهرة مادية جامدة.

إنها لم تتمكن من الغوص في وجدان هذه الشعوب المقهورة كي تتلمس بذور التمرد والانتفاضة التي تنمو في أحشائها بصمت وبطء ولكن بشكل أكيد وحتمي، وعندما تحين ساعة الانتفاض تتفجر الطاقات التغييرية التي تفاجئ أول ما تفاجئ الفئة المتسلطة داخلياً وخارجياً وتتجاوز في مداها تصورات أكثر الملاحظين الخارجيين تفاؤلاً.

ولكن بين هذه الانتفاضة وبداية عملية الاضطهاد الإنساني تعيش الشعوب المتخلفة ليلاً طويلاً تجتر أثنائه مأساة الآلام الوجودية.

أهم ملامح مرحلة القهر والرضوخ في التخلف الاجتماعي

من أهم ملامح هذه المرحلة عملية التحقير، التي غرسها المتسلط في نفسية هذه الجماهير، تتضمن عدوانيته وقهره ذاتياً على صورة إحساس بالإثم والدونية، ويحتقر الشخص المتخلف ذاته ويقوم بالخجل منها ويتأمل لو يهرب من مقابلتها.


شارك المقالة: