مستقبل علم الاجتماع الطبي:
لقد اجتاز علم الاجتماع الطبي الآن مرحلة النمو، بحيث يمكنه المساعدة في مساندة النظرية الاجتماعية العامة، وفي تنفيذ سياسة واقعية واجتماعية، وازداد تركيزه بعقبات الصحة المهنية والاهتمام بالصحة في مجال الصناعة، حتى تكمن توثيق الصلة بين علم الاجتماع الطبي وبين العلوم الاقتصادية الصحة، والإدارة الصحية، والتعليم والتمرين الصحي، والصحة العامة.
هذا علاوةً مجموعة الاتصال والمشاركة العلمية بين الاجتماع الطبي وعلوم الاقتصاد والتاريخ الاجتماعي والاجتماع العام والديني والتربوي وغيرها، والحقيقة أن هذه الصلة والمشاركة العلمية ترفع من جدارة وجهات نظر الكادر الاجتماعي الطبي، وإن ترتب على ذلك احتمال التجاهل عن بعض مضمون وجهة الرأي السوسيولوجي.
ولكن باستطاعة عالم الاجتماع الطبي التأمل إلى السياق الطبي من نواحي كثيرة، بدايةً من منظور الدكتور الذي يحبب في مساعدة العناية الطبية الرائعة وتسهيل مهامه والحصول على انفراده، وأن يسيطر في التدخل في علاقاته المهنية بعملائه، وثانياً وجهة رأي المصاب الذي يأمل بدوره أن يكتفي السياق الطبي لكل أمنياته وإلحاحه النفسي، بما يقدمه له من رعاية ومساعدة صحية ممتازة، أما الثالثة فهي وجهة تأمل مدير المستشفى الذي يحاول الوصول إلى أعلى درجة من الرعاية الطبية المتميزة، دون أن يحدث خسائر أو يحدث قصر في الأداء.
ورابعها، وجهة نظر كليات الطب التي تعرقلها المنافسة، ولا ضغوط الرعاية الطبية الأولية، ومع ذلك يتعسر عليهم إدراك ومعرفة أسباب قصر الأداء الطبي المتميز للخريجين المزاولين، ولا مناقشة في أن كل جزء من هذه الأجزاء بين وجهة نضره في ضوء العقبات التي تواجهه، من نفسية وتوترات التي يعيشها بذاته.
الطب كموقف اجتماعي:
وهنا لا يفرق الطب كموقف اجتماعي عن التعليم والصناعة، إلا أن وجهة رأي علم الاجتماع ليست فقط سوى نظرة واحدة أو مشارك آخر في الموقف البشري، وإنما هي بالأحرى محاولة لتقديم التفاعل بين وجهات النظر والأفعال، ولعل في هذه الطبيعة ما دفع المشتغلين بالمزاولة الطبية والتعليم الطبي إلى اللجوء بالمختصين في علوم المفس والاجتماع والأنثروبولوجيا في تذليل المتاعب الاجتماعية والثقافية أمام المزاول الطبي، وتعليمه بالأداء الجيد للمساعدة الصحية.
ومن هنا ازداد التركيز والاهتمام بعلم الاجتماع الطبي، نظراً لإصراره على الأسباب الاجتماعية للمرض، وهناك نهجاً أصيلاً وطويلاً بشأن المساعدة الاجتماعية والفيزيقية للمصاب، يرى فيها الطب بعلاج جزء من أجزاء المصاب أو تبديله بمعدات جديدة، في حين يواجه الاجتماع الطبي لمهامه مساعدة المصاب على المكان الجديد، وتعايشه مع محيطه وحياته الجديدة.