مفهوم السوسيولوجيا عند بيير بورديو في علم الاجتماع:
يعتبر بيير بورديو من أبرز علماء الاجتماع الفرنسيين الموثوقين في وسط القرن العشرين، وهو من فئة اجتماعية عمالية متوسطة، يتطلع إلى رؤية ماركسية نقدية حديثة، تكشف حقيقة القوة والنفوذ والقيادة والسيطرة والتمركز الطبقي.
فقد أنشأ العديد من الكتب والكثير من المقالات التي تتعدى مئة مقال، وقد ركز اهتمامه بصورة كبيرة على الطريقة التي يعيد بها المجتمع إنتاج التراتبية الطبقية ذاتها، بالترسيخ على العوامل الثقافية والرمزية، بدل التصعيب والتعقيد على العوامل الاقتصادية التي كانت لها هدف معتبر في المقاربة الماركسية الكلاسيكية، ويعني هذا أن علم الاجتماع عند بورديو هو علم الاجتماع العملي الانتقادي، تساهم إلى كشف حقيقة السيطرة والقيادة والتحكم، وأيضاً نقد المجتمع الليبرالي المعاصر الذي يتمتاز بالقساوة والتحقير واللامساواة وتفاوت الحقول والطبقات الاجتماعية.
بمعنى أن علم الاجتماع عند بورديو هو أداة مؤثرة للنقد الأساسي، وبيان المتخفي، والنطق بالمسكوت عنه، وكشف لعبة السيطرة والتحكم، كعلاقة الاتصالية القائمة مثلاً بين النجاح المدرسي والأساس الاجتماعي والرأسمال الثقافي الذي ترثه الأسرة، بعد أن كان هذا النجاح متصلاً بالذكاء الوراثي، بل إن الجانب العلمي هو كذلك مجال للقيادة والتحكم والسعي لتحقق الربح، والحصول على الجوائز المادية والمالية.
وتتحقق علمية علم الاجتماع بالاستناد على المعتقدات، والانطلاق من المعاني الموضوعية، واستخدام الدراسة الكمية والكيفية للتحقق من النتائج المتوصل إليها، التأرجح بين منهجيتي الإدراك والتحليل معاً، أما إذا أخذ علم الاجتماع الواقعية السياسية فلا نستطيع آنذاك القول عن العلم الاجتماع العلمي، علاوة على ذلك، يشير بيير بورديو أن موضوع علم الاجتماع هو معرفة حقول السيطرة والقيادة التحكم ليس على صعيد الطبقات فحسب، بل حتى في المجال العلمي ذاته.
والمقصود بهذا أن بيير بورديو يبدأ من علم الاجتماع النقدي الصراعي أو مقاربة صراعية، ومن جانب آخر يأخذ بورديو ميتا سوسيولوجيا أو علم الاجتماع السوسيولوجي، عن طريق الإشارة إلى أهمية حياد عالم الاجتماع عندما يبحث في معوقة مجتمعية ما قوامها القوة والنفوذ والقيادة والسيطرة، بأن يكون مدركاً بمكانته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فعلم الاجتماع الحقيقي هو علم المضمر والمسكوت عنه.
يمتاز علم الاجتماع عند بيير بورديو بالشكل العلمي العقلاني، والاجتناب عما هو سياسي، ومعرفة العنف الرمزي طبقاً لمقاربات علمية دقيقة شديدة، من غير جعل ما هو شخصي وسياسي يتدخل في البحث العلمي.