انطلقت النظريات الاجتماعية من خلفيات فلسفية وفكرية مختلفة تراوحت من ناحية بين التفاؤل والتشاؤم في وضع كبار السن، نجد حالة التفاؤل سمة بعض التوجهات النظرية، كما في نظرية النشاط والنظرية الاستمرارية، ونظرية الدور ونظرية الاختيار، ونجد حالة التشاؤم هي السمة الغالبة على بعض التوجهات النظرية، كما في النظرية الانفصالية، كما تراوحت من ناحية أخرى بين الشمولية، وهو ما نجده في نظرية التحديث وبين الخصوصية، كما نجده في نظرية الدور ونظرية النشاط والنظرية الاستمرارية.
منطلقات النظرية الاجتماعية في مجال الشيخوخة
لقد حدد بوم وبوم ثلاثة منطلقات رئيسية للنظريات الاجتماعية في مجال الشيخوخة، والتي تعكس الخلفيات الفلسفية، والنظرة العامة لكبار السن في العصر الحديث، وخاصة في المجتمعات الصناعية المتقدمة التي واجهت بشكل حقيقي مشكلات كبار السن، هذه المنطلقات الثلاثة يمكن أن تنطوي تحتها جميع النظريات الاجتماعية نوجزها على النحو التالي:
1- المنطلق الأول القائل مبدأ التخلي عن كبار السن
ينظر إلى كبار السن في العصر الحديث من خلال هذا المنظور إلى أن الفائدة منهم قد استترفت، وأصبحو أقل نفعاً، كما أن المجتمع لم يعد بحاجة إليهم، فهم من الناحية الاجتماعية نمط قديم، لم يعد مجارياً للعصر الذي يعيشون فيه، ومن الناحية الاقتصادية فلم يعد الآخرون حاجة لما يقدمونه، وهذا هو سبب التخلي عنهم، وأساس هذا المنطلق أن المجتمع الحديث لم يعد بحاجة إلى كبار السن، كما أنهم قد فقدوا مصادر القوة التي كانوا يملكونها والامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، ونتيجة لهذا فلا بدّ من أن يعانوا نوعاً من الحرمان.
والتوظيف الواضح لهذا المنظور أنه ما لم يحدث تغيير جذري للبناء الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة، فإن الحرمان سيظل مصير كبار السن، وتتبنى هذا التوجه النظرية الانفصالية.
2- المنطلق الثاني مبدأ التحريري عن كبار السن
حيث يعارض هذا الاتجاه الاتجاه الأول القائل بمبدأ التخلي، ويركز على نظام التقاعد، مؤكداً السمات التالية لهذا النظام:
أ- إن نظام التقاعد ظاهرة حديثة جاءت نتيجة للتطور الصناعي في أوربا ولم تعرفه المجتمعات القديمة بهذه الصورة وهذا الشكل من التنظيم، ومن أهم العوامل التي ساعدت الدول الصناعية على تحقيق هذا النظام هو ما حققته من فائض اقتصادي.
ب- إن التوقعات المرتبطة بحياة مرحلة التقاعد قد بدأت تأخذ منحنى جديداً يتسم بالأمل والتفاؤل، وليس باليأس والقنوط .
3- المنطلق الثالث التعاضد غير المتزامن عن كبار السن
يركز على الطريقة التي يتم من خلالها تمويل الضمان الاجتماعي خاصة الدول الصناعية، فالضمان الاجتماعي من هذا المنظور، يؤدي إلى خلق نوع من التعاضد غير المتزامن بين الأجيال، حيث يقوم من هم في سن العمل والإنتاج بدفع مبالغ من دخولهم والتي توظف في الصرف على كبار السن.
ويعتمد الشباب في هذه المجتمعات لقبول هذا النظام ﻹدراكهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الكبر، سوف يقوم بالصرف عليهم شباب الجيل التالي، وهكذا يمثل نظام الضمان الاجتماعي حلقة وصل بين الأجيال على أساس واعٍ للحقوق والواجبات ويؤدي هذا التواصل إلى تعاضد لا متزامن بين الأجيال.