الصدر الأعظم محمد باشا سوكولو
وُلِد محمد باشا في سراييفو، وهو ينتمي لأُصول مسيحيّة صربيّة، تمّ دخوله للدولة العثمانيّة بنظام الوشيرمة، وهو نظام يقوم بأخذ أولاد المسيحيين من أسرهم، وهم في سن مُبكرة، ويتمّ تربيتهم وتعليمهم اللغة العربيّة والتعاليم الإسلاميّة، وتقاليد وعادات العثمانيين، وتدريبهم بمعسكرات وغرس حب الشهادة في سبيل الله.
أتقن العديد من اللغات، اللغة الصربيّة التي هي لغته الأصليّة، والعربيّة والفارسيّة واللاتينيّة والتركيّة، استطاع محمد باشا إثبات شخصيته وحضوره، إذ يُعتبر من أقوى الصدور العظام الذين تولوا المنصب في تاريخ الإمبرطوريّة العثمانيّة، وأطولهم فترة زمنيّة في شغل منصبه، إذ شغل المنصب لمدة (14) عام.
كان مُخلصًا للإمبرطوريّة وللسلاطين الذين عاصرهم، وهم سليمان القانوني، وسليم الثاني، ومراد الثالث، وبعد وفاة سليمان القانوني الذي أخذ منه الكثير من الخبرات بالأمور السياسيّة والأداريّة، تمّ اعتباره الحاكم الفعلي للأمبرطوريّة العثمانية في عهد سليم الثاني الذي أتصف بضعف الشخصيّة وسيطرة الحرملك عليه.
أنضم محمد باشا سوكولو إلى الإنكشاريّة، وأصبح أحد رجال الدفتردار، وتسلّم قيادة الحرس السلطاني، ممّا جعله أقرب إلى السلطان سليمان القانوني ومن خلال ذلك لاحظ السلطان سليمان وفائه وإخلاصه وإمكانيّة الاعتماد عليه ممّا هيأه ليصبح الصدر الأعظم في عهد السلطان سليمان القانوني.
يقال أنّه من سند السلطان سليم الثاني ودعمه لتولي العرش بعد وفاة والده السلطان سليمان القانوني، إذ أخفى خبر وفاة السلطان سليمان، وهيأ الجيش لمبايعته، وأحبط تمرد بايزيد وأولاده، وتزوج من ابنة سليم الثاني( المنتصرة).
وتولى زمام الأمور في الإمبرطوريّة العثمانيّة والتي كانت تمر في فترة حرجة بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، وكان ذلك من حسن حظ الإمبرطوريّة إذ استطاع الحفاظ على الإمبرطوريّة من الأطماع الداخليّة والخارجيّة، والتي كانت في أوج قوتها عندما توفي السلطان سليمان القانوني.
أثناء حكم سليم الثاني، خاض الأسطول العثماني مع الأسطول المسيحي، وكان محمد باشا سوكولو قائدًا للقوات البحريّة، حرب ليبانتو وهُزم الأسطول العثماني، ولكن لم يمضِ عام حتى أعاد بناء الأسطول من جديد بعدد أكبر وقوة أكثر من السابق إذ وصل عدد السفن (300) سفينة، وعندما سمعت البندقية بذلك ارتعدت خوفًا وقامت بالتنازل عن قبرص ودفع غرامة حرب للعثمانين.
وأقام عدَّة مشاريع في عهده، فتح قناة السويس، وقناة العبور البحريّة العثمانيّة في بحر قزوين، إلى جانب إنشاء البوسفور البديل عن البحر الأسود عبر نهر ساكاريا ومضيق إزميت، وضبط الكثير من التمردات في اليمن وإيران.
كان لنجاح محمد باشا وقربه من السلطان سليم وسيطرته على الحكم دافعًا كبيرًا لتخلص أعداءه منه، ففي عهد مراد الثالث بعد وفاة سليم الثاني، وقيل أنّه تمّ اغتياله في عام (1579)، وللأسف الشديد بعد وفاته بدأ عهد الركود والفساد وتدخل الجيش الإنكشاري وسلطنة الحريم في أمور الحكم، أمرت زوجته ببناء مسجد فوق أنقاض كنيسة بيزنطيّة في اسطنبول، سمي باسمه (مسجد محمد باشا سوكولو).