الملك جسر السنى
الملك جسر السنى أول من حكم مصر القديمة من الأسرة الثالثة حول عام 2778 ق.م وفترة حكمه تعتبر نقله نوعية مهمة نقلت مصر القديمة إلى مرحلة جديدة ومرموقة من تاريخها المهيب، وقد عثر على تمثال له في سرداب هرم سقارة المدرج، وكان التمثال يصور ملكاً مهيباً قوي الشكيمة، ولحسن حظه كان الوزير إم حوتب في خدمته فهو يعرف بعبقريته.
طبقت شهرة الوزير إم حوتب الآفاق وغالبت الأيام حتى وصل به ذلك للارتقاء إلى عالم الآلهة، وفي الأزمنة اللاحقة قام الإغريق بدمجه في إلههم أسكلييوس، وفي الألف الأول من ق.م تحولت مقصورته في سقارة إلى مصحة يأتي إليها المرضى من جميع أنحاء مصر، وسيقوم الملك بطليموس الخامس بتشييد مقصوره له في جزيرة فيلاي، وبذلك يكون قد استحق الشهرة التي وصل لها ولأسباب أخرى.
كان الملك جسر قد جعل من منف العاصمة لدولته بشكل نهائي؛ ذلك تكريساً لوحدة القطرين على الصعيد السياسي، وبعد أن تخلّصت مصر من أصولها كأقاليم منفصلة وتحولت إلى مملكة متوحدة ولها منظومتها وإدراكها العميق، وعرفت فترة حكم الملك جسر بثروتها الحقيقية في عالم الفن.
تطور عالم البناء في عصر الملك جسر ففي البداية كانوا يستخدمون نبات البردى والتسييج ومن بعده الطوب والخشب وفي نهاية المطاف استخدموا الحجر كأشرف المواد وأنبلها؛ لقدرة تحملها ومقاومتها للزمن، وتجسدت عبقرية وخبرة المهندس الفرعوني إم حوتب في تجديد الأشكال المعمارية فقام بتشييد أول هرم بجوانبه غير الملساء ولكنه يتكون من ست درجات حتى قمته، وكان يرتفع فوق هضبة سقارة على البر الأيسر من نهر النيل على بعد 28 كيلو متر جنوب القاهرة.
استفاد إم حوتب للمرة الأولى من الموقع الذي يلامس من بعيد الجرف الصخري للصحراء الغربية، وهذا انتقال متشامخ للحجر بعيداً عن أكوام الرمال المستطيلة باعتبارها الغطاء البسيط الذي كان يحمي جسد المتوفي في دفنات عصر ما قبل الأسرات الفرعونية، وجاء هذا الهرم الذي قام ببنائه ثمرة لإمعان مزدوج لفكر تقني ولكنه أيديولوجي.
تعتبر المقبرة الملكية الفخمة التي تشرف على ارتفاع ستين متراً على الصحراء المحيطة وهي بلا شك أول الشواهد المادية على الروحانية الجديدة الآخذة في الظهور، وإن تصميم المبنى ذاته وتصوره وتوزيع عناصره المكونة واتجاهاته وما نلاحظه من محاكاة الأساليب السحرية خير دليل على رغبة مقصودة لإسباغ دلالة روحانية جديدة.
تحدثنا في هذا المقال عن الملك جسر السنى أول ملوك الأسرة الثالثة، وعن ازدهار الفنون عامة وفن العمارة خاصة في عهده.