موقع النموذج في النظرية السوسيولوجية:
لقد بات من المعروف بين علماء الاجتماع أن أي نظرية تنكر القوة والتغير في الحياة الاجتماعية، هي نظرية بسيطة على مستوى الفهم والتفسير، حتى لو فسرت قطاعات معينة من الحياة الاجتماعية بكفاءة وإتقان.
وقد ظهرت هذه المسألة في النظريات قصيرة المدى، وبصورة خاصة التفاعلية الرمزية والظاهراتية والإثنوميثودولوجي، كما ظهرت في النظريات بعيدة المدى، وبصورة خاصة في النظرية البنائية الوظيفية كما طرحها بارسونز، غير أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، فالنظريات التي تناولت القوة والتغير واهتمت بهما، كنظرية الصراع مثلاً، تجاهلت جوانب عديدة مما ركزت عليه النظريات الأخرى، وهنا تبيّن إشكالية التمزق التي تعاني منها النظرية السوسيولوجية.
تظهر الانقسامات في النظرية السوسيولوجية باعتبارات وصيغ مختلفة، فهي توضح بين علم الاجتماع قصير المدى، وعلم الاجتماع بعيد المدى، أو بين النظريات التي تعتمد على الفعل والنظريات التي تستند على البناء، أو الفرد مقابل المجتمع، وضمن المستوى التحليلي الواحد هناك تمزق آخر، فهناك هوة شاسعة في المستوى الأكبر بين الوظيفية والصراع، وهناك انفصال مبيّن في المستوى الأصغر بين التفاعلية والتبادلية والظاهراتية، والإنثوميثودولوجي.
فهناك مكانة ثالثة من التشرذم والانقسام يمكن العثور عليها في المنظورات نفسها، كما هو الحال بالنسبة للخلاف الحالي بين مدرسة شيكاغوو ومدرسة أيوا في التفاعلية الرمزية، وفي التبادلية بين هومانز وبلاو، وفي الصراع بين دارندورف وكوزر، وفي الوظيفية بين بارسونز وميرتون.
ولذلك يميل أغلبية علماء الاجتماع المحددين بالنظرية السوسيولوجية، إلى اعتبار علم الاجتماع علم متعدد النماذج النظرية أو الأطر الفكرية، فقد لاحظ فردركز، أن علم الاجتماع منقسم بين اﻹطار الفكري النسقي الذي يستند على التكامل والإجماع، والإطار الفكري الصراعي الذي يستند على اللاتكامل والقهر، مع مساحة واسعة ﻷطر فكرية ممكنة.
كما يرى فردركز، أن هذه الأطر الفكرية ليست ذات أهمية إذا ما جرت مقارتنا مع إطارين فكريين آخريين يستندان على أساس تصور علماء الاجتماع أنفسهم كفاعلين علميين، ولذلك فهو يفرق بين الإطار الكهنوتي، والإطار النبوي، فبينما يعتقدون علماء الاجتماع الكهنوتيين أنفسهم بأنهم علماء متحررين من القيم، يعتقد علماء الاجتماع النبويين أنفسهم، على أنهم أوصياء على التغير الاجتماعي.