موقف ماركس الإيديولوجي في علم الاجتماع:
كشف كارل ماركس (1818- 1883) ميوله الإيديولوجي بصورة واضحة منذ البداية، كما أنه بدلاً من أن يحاول إخفاء الرابطة بين موقفه الإيديولوجي وبين اتجاهه الفلسفي النظري، عمل على أن يؤكد هذه الرابطة ويبيّنها بصورة مفهومة، ولم تتجزأ قدرات ماركس السياسية عن قدراته العلمية النظرية، بل أنه كان هناك دائماً تلاصق بين الاثنين لدرجة أن تاريخه الشخصي الذي يمكن اعتباره حتى عام 1845، أي حين كان في السابعة والعشرين من عمره، سلسلة من الحلقات في تاريخ فرد أصبح منذ هذا الوقت لا يتجزأ عن التاريخ العام للاشتراكية في أوروبا.
فقد أصبح ماركس ثورياً محترفاً، يكتب ويحاضر ويتأمل من أجل تحقيق الثورة على النظام الرأسمالي التي كان يعتقد أنها آتية لا ريب في ذلك.
وقد وضح ماركس عن ميوله الإيديولوجي منذ أن كان فتياً في مرحلة المراهقة، فقد كتب مقالاً قصيراً عندما كان في السنة النهائية بالمدرسة الثانوية عنوانه، تأملات شاب عن انتقاء مهنته، عبر فيه عن مبدأ ظل يسترشد به طوال حياته السياسية والفكرية.
وفي عام 1843 كتب ماركس مجموعة من المقالات السياسية في مجلة الألمانية عن الظروف الاجتماعية، وتناول في هذه المقالات وصف عجز الفلاحين الذين يزرعون الكروم، والمعاملة السيئة التي كان يلقاها الفقراء لسرقة بعض الأخشاب من الغابات التي كانوا يعتقدون أنها ملكية عامة لهم فيها بعض الحقوق.
كما هاجم ماركس الحكومة الروسية الرجعية في مقالاته ممّا أدى بإمبراطور روسياً في ذلك الوقت إلى الاتصال بالسفير الروسي شاكياً ماركس وكان من جراء ذلك إغلاق المجلة التي يكتب فيها ماركس، فذهب إلى باريس حيث تم طرده من قبل الحكومة الفرنسية من فرنسا عام 1854، بناء على شكوى الحكومة الروسية لمهاجمته لها، في مجموعة من مقالاته فلجأ إلى بروكسل، حيث اتصل بالمنظمات الاشتراكية وبخاصة الرابطة التربوية للعمال الألمان، والمنظمة الشيوعية.
وفي عام 1847 كتب ماركس بناء على تكليف من هذه المنظمة، مستند توضح وتفسر أهدافها وفرضياتها، وهي التي عرفت باسم البيان الشيوعي، وكانت أول جملة في هذا البيان أن تاريخ كل المجتمعات هو تاريخ الصراع الطبقي، تتضمن أهم النواحي التي ميزت فكر كارل ماركس، وفي عام 1848 ذهب ماركس إلى ألمانيا بعد قيام الثورة فيها، حيث ترأس تحرير مجلة راديكالية جديدة تهاجم الرجعية والرأسمالية وتدافع عن حقوق الطبقة العاملة، وبعد انهيار الثورة رجع إلى باريس ثم استقر به المقام في لندن حتى نهاية حياته.