نشأة دولة الكويت وتطورها

اقرأ في هذا المقال


نشأة دولة الكويت:

لقد بدأت نشأة دولة الكويت كما ذكرها الكثير من المؤرخين ابتداءً من حكم أسرة آل الصباح لها في عام 1752 ميلادي، ولكن بناء على الخرائط القديمة والرحلات التي قام بها بعض الأوروبيين للمنطقة في قت مبكر وعدد من المخطوطات والوثائق أثبتت بكل وضوح أنّ هذه النشأة تعود إلى فترة سابقة في منتصف القرن الثامن عشر، ونلاحظ في هذا الشأن أنّ الخرائط هي المصادر الأساسية قبل وجود النصوص التاريخية، بحيث وجدت لتكون دليلاً يرشد السفن الأوروبية في المنطقة، وهي تعود بالأساس إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وتمثل منطقة الخليج أهمية استراتيجية كبيرة، ونشير هنا إلى خريطة شبه الجزيرة العربية التي قام بنشرها الفرنسي الجغرافي نيكولا سانسون في عام 1652 ميلادي، بحيث ورد فيها اسم کاظمة، وهو اسم يطلق على الكويت الحديثة على منطقة تقع على الساحل الشمالي للكويت، شمال شرق الجهراء، وقد ورد ذلك الاسم في كتب الجغرافيين العرب القديمين مثل الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ويبدو أنّ بعض الجغرافيين الأوروبيين قد اعتمدوا في رسم خرائط المنطقة على الترجمة اللاتينية لكتاب الإدريسي الصادرة في باريس عام 1618 ميلادي.

وفي عام 1718 ميلاي قام المستشرق الفرنسي جان دو لاروك بنشر ترجمة لنص مأخوذ من كتاب تقویم البلدان لأبي الفداء، يتحدث عن كاظمة البحور باعتبارها منازل للعرب من جهة، وباعتبارها منطقة تقع على ساحل البحر بين البصرة والقطيف من جهة أخرى.

وتشير المصادر إلى أنّ العثمانيين لم يكن لهم نفوذ في خارج الأحساء والقطيف والبصرة، وأما المناطق الساحلية الأخرى والمناطق الداخلية فقد سيطرت عليها القبائل العربية، وكانت في حالة حرب مع الدولة العثمانية، وهي القبائل التي خرجت منها دول الخليج العربية الحديثة، وكان من أبرز تلك القبائل قبلية بني خالد، فقد تواجدت قبل قدوم العتوب إلى هذه المنطقة، بحيث كانوا ذات نفوذ واسع في شرقي الجزيرة العربية، وفيما بعد أخذوا من الأحساء قاعدة لهم.

بداية ظهور دولة الكويت:

لقد ظهر في فترة من الفترات جماعة عرفوا باسم جماعات العتوب، فقد تنتسب تلك الجماعة إلى عدد من القبائل العربية الكبيرة التي عرفت حياة الترحال في داخل الجزيرة العربية، وأيضاً عرفت مناطق جغرافية خليجية أخرى قبل أن تستقر في  مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ، بحيث تشكل تلك الجماعات حلقة مهمة، فهي تساهم في التجارة الدولية، وينحدر آل الصباح من القبيلة العربية الكبرى عنزة، وينتسبون من عنزة إلى جميلة، وهي فخذ من عنزة.

وبخصوص ذلك الشأن تختلف الروايات في تحديد تاريخ وصولهم إلى الكويت مع غيرهم من الأسر والفترة التي استقروا بها، ولكن المقدر أنّ ذلك تم في عام 1613 ميلادي، والمذكور إنّ ذلك الاستقرار لم يحدث دفعة واحدة ولكنه تم على عدد من المراحل مختلفة، كما يحدث عادة في ‏انتقال القبائل من حياة التّرحال إلى حياة الاستقرار، فإنّ تلك الجماعات لم تكن تنتمي إلى مجموعة قبائل العراق العثمانية، كما تشير إلى ذلك الوثائق العثمانية نفسها، بل كانت تنتمي إلى القبائل العربية المستقلة عن السلطة العثمانية في منطقة الخليج.

وفي كتاب تاريخ الكويت الذي قام بنشره المستشرق أولرتش هارمان، والذي أشار به بالرجوع إلى فترة استقرار العتوب، بحيث ذكر في كتابه عن الكويت باعتبارها کیان دولة مستقر، ومركزاً أساسياً للتجارة البرية والبحرية، وكان أولرتش قد شبه الكويت بالأحساء.

مرتضى بن علوان أثناء زيارته إلى الكويت:

وفي عام 1709 ميلادي زار دولة الكويت أحد الحجاج السورين وهو مرتضی بن علوان قائلاً: (لقد مضى خمسة عشر يوماً على دخولنا هذا البلد يقال لها الكويت، بلد لا بأس بها تشابه الحساء، ولكنها تختلف عنها، فقد تتشابه مع الأحساء في عماراتها وأبراجها، وقال بأنّه كان معهم حج من أهل البصرة، أتوا من هناك على درب يقال له الجهراء، وأخذ الطريق معهم من الكويت إلى البصرة أربعة أيام، وكان ذلك في المركب يوم واحد؛ لأنّ ميناء البحر على کتف الكويت، وأما بالنسبة للفاكهة والبطيخ وغير ذلك من اللوازم، فقد تأتي من البصرة في كل يوم).

وأضاف أيضاً: (وقبل وصولنا إليها على شاطئ البحر بثلاثة أيام، بحيث كان الميناء على حدود البلد من غير حواجز، وهذه البلدة تأتيها جميع الحبوب عن طريق البحر من حنطة وغيرها؛ لأنّ أرضها لا تقبل الزراعة، وأراضها لا يتوافر فيها شيء من النخيل ولا الشجر من الأساس، وأسعارها أرخص من الحساء لكثرة الدفع من البصرة وغيرها).

وإنّ تلك الوثيقة لم تقدم لنا معلومات عن الأوضاع السياسية بدولة الكويت، ولم تذكر أي معلومة عن السلطة القائمة فيها، ولكنها تشير لنا عن المسالك البرية والبحرية، كما تذكر لنا العديد من المعلومات الاقتصادية والعمرانية لتلك البلدة، فمرتضی بن علوان يصف الكويت بأنّها بلد عامراً تشابه الأحساء إلا أنها أصغر منها حجماً، وذكر بأنّ أسعارها أرخص من أسعار الحساء رغم أنّ أرضها لا يتم بها الزراعة وخالية من الأشجار.

لقد اعتبر نص مرتضی بن علوان من النصوص الأولى ذات الأهمية الكبيرة، التي تتحدث عن الكويت وتصف العديد من وسائل الحياة فيها، وفي عام 1753 ميلادي تم ذكر الكويت في خرائط البحرية الأوروبية في خريطة يوهانس فان كولن، وتم ذكرها مع جزيرة فيلكا وبوبيان المحفوظة في دار الوثائق الهولندية.

ويدل على الأهمية الكبرى لمناطق الخليج تعدد الخرائط التي تصف المنطقة، وفي ذلك دليل أيضاً على الأهمية الاستراتيجية والتجارية التي أصبحت تحتلها الكويت بالشكل الخاص، ومنطقة الخليج بالشكل العام، فقد وجد الدارسون لمنطقة الخليج في العصور الحديثة على نص الرحالة فان کنیبهاوزن، حيث ورد فيه معلومات ثمينة عن الأوضاع في منطقة الخليج، وعن نفوذ العتوب وتحالفاتهم السياسية.

فقد ورد في إحدى أجزاء ذلك النص: بعد مغادرة نهر الفرات والسير على الانتقال إلى طول الساحل العربي، فيقابل المرء جزيرة فيلجة الصغيرة (فيلكا) وفي مقابلها على الشاطئ المجاور الكويت، بحيث يتواجد في كلاهما قبائل عربية وهي العتوب.

ففي السابق كانوا يعتمدون بشكل كبير على شيخ الصحراء، بحيث كانوا يقومون بالدفع له ضريبة قليلة، وفي تلك الفترة كان يتوافر لديهم بما يقدر في 300 سفينة، ولكن تلك السفن جميعها ذات حجم صغير جداً لا تستخدم إلا في الغوص من أجل الحصول على اللؤلؤ، وفي فترة الرياح الموسمية يكون الغوص وصيد السمك مهمتهم الأساسية، ويبلغون 4000 رجل مسلحين بالسيوف والدروع والرماح، ولا يملكون أي أسلحة نارية.

فقد كانوا على صراع مستمر مع الهولة بسبب سفنهم الصغيرة، فكانوا من النادر جداً أن يقوموا  في الإبحار على مستوى  أبعد من شواطئ غوص اللؤلؤ في البحرين من جهة ورأس بردستان من جهة أخرى من الخليج.


شارك المقالة: