لم يكن التقاعد بمعناه الحديث معروفاً في المجتمعات القديمة، وإن كان الفرد في تلك المجتمعات يتوقف عن العمل من مراحل عمره ولكنه يتوقف تدريجي حيث تقل ساعات العمل اليومية مع كبر السن، ويكون التوقف كلياً عندما يكون الفرد عاجزاً تماماً عن القيام بأي عمل، ونرى خير مثال على ذلك مجتمعات الزراعة الأولية، حيث تتيح لكبار السن أعمالاً تتناسب مع قدراتهم واستعدادتهم.
نشأة نظام التقاعد لدى كبار السن
إن التقاعد في المفهوم الحديث هو وليد عدة عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وإنسانية وتنظيمية تمخضت عن انهيار النظام الإقطاعي وقيام الثورة الصناعية، وما أعقبها من تغيرات في شتى المجالات، ويمكن أن نحدد أهم العوامل المباشرة في نشوء نظام التقاعد مما يلي:
1- نتيجة للتطور الذي حققه الغرب في المجال الاقتصادي والصحي، انعكس ذلك على صحة الفرد، ودخله مما أدى إلى ارتفاع معدلات كبار السن بحيث أصبحوا يمثلون أعداداً كبيرة، وفي هذا الصدد يعتقدأن الأعداد الكبيرة نسبياً من كبار السن في المجتمعات الصناعية المعاصرة ظاهرة تاريخية لم يكن لها سابقة، بذلك أصبح من الصعب على المنظمات الرسمية وغير الرسمية التغاضي عن مشكلاتهم وأصبحت الحاجة ماسة ﻹيجاد نظام يكفل لهذه الشريحة من السكان حياة ملائمة.
2- لقد أدى التطور الصناعي في الدول الغربية إلى فائض في الإنتاج، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي، الأمر الذي ساعد على إمكانية توفير المبالغ اللازمة للصرف على شريحة من السكان بعد انقطاعهم عن العمل.
3- نشوء الاتحادات العمالية التي كرست جهودها لانتزاع حقوق العمال من الشركات والمؤسسات وإيجاد الوسائل القانونية التي من شأنها أن تحقق للعامل حياة كريمة أثناء وبعد ترك الخدمة.
4- قيام بعض الحكومات الغربية بسن القوانين التي تكفل للعامل حقوقاً تقاعدياً، وإقامة نظم للتحقيق هذا الهدف.
5- لقد أثر التصنيع وما تمخض عنه من عوامل إلى تغيرات جذرية في النظام الأسري، ومن أهم هذه التغيرات، انحسار نظام الأسرة الممتدة، وانحسار الوظائف التي تؤديها، وانتشار نظام الأسرة النووية الصغيرة التي تعني بوحدة أسرية مستقلة منفصلة.
ومعنى هذا أن على كبار السن أن يعتمدوا على أنفسهم وألا يركنوا على أبنائهم الذين يتحملون شؤون أسرهم الخاصة، كل هذا كان دافعاً قوياً إلى التفكير في إيجاد نظام يساعد هذه الفئة من المجتمع على مواجهة متطلبات الحياة.