نشأة وتطور علم الاجتماع السياسي عند أفلاطون وأرسطو

اقرأ في هذا المقال


لا يوجد هناك توافق وتلائم كامل بين العلماء والمختصين حول مفهوم شامل وكامل لعلم الاجتماع السياسي، أو التوافق بشأن مفهومه، وأيضاً لا يوجد هناك توافق بشأن نشأتها وتكوينها التاريخية والفكرية لعلم الاجتماع السياسي، وهذا ليس عيباً؛ ﻷنه راجع إلى الخصوصية التي تتميز بها العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتأثرها بالعوامل الموضوعية والذاتية التي تشكل شخصية العالم أو المفكر.

نشأة وتطور علم الاجتماع السياسي عند أفلاطون:

يعد أفلاطون من الذين أسسوا وساهموا في إثراء التراث الفكري، الذي تجمع على مر الزمن، مما أدى إلى اكتشاف علم الاجتماع السياسي في نهاية منتصف الأول من القرن العشرين، بالرغم من أنه كان فيلسوفاً يتصف بالكمالية والمثالية، حيث ركز جهده وطاقته في دراسة الدولة النموذجية، وهذا ما لا يتوافق مع اهتمامات علم الاجتماع السياسي، الذي يدرس الظاهرة السياسية في إطارها المجتمعي بصورة علمية موضوعية.

كان أفلاطون يتأمل في الظاهرة السياسية من ناحية مجتمعية، فقد اهتم في دراسة المدينة الفاضلة بتأثير المتغيرات الاجتماعية على السياسة والحكم، كما ركز على المؤسسات الاجتماعية وفعالية تأثيرها في تنشئة الأفراد تنشئة سياسية سليمة، لذلك فقد اعتنى بموضوع التنشئة السياسية، وفعالية الدور الذي تقوم به العائلة، ونظام التعليم، كعوامل ضرورية ولازمة لهذه التنشئة، كونها من أبرز الموضوعات التي يدرسها علم الاجتماع السياسي.

لقد كان ﻷفلاطون العديد من المحاورات التي من ضمنها المسائل المتصلة بالفلسفة السياسية، وكانت ثلاث منها على الأخص تضم هذه القضايا وهي، الجمهورية والسياسية والقوانين، ففي كتابه الجمهورية ضمن أفلاطون الفكرة الرئيسية التي تناولها من أستاذه سقراط، والتي تقول بأن الفضيلة هي الإدراك، ودعم فكرته هذه بخبراته السياسية ومحاولاته التي بذلها لتنمية روح المعرفة الحقة كأساس لفلسفة صناعة الحكم، وعبارة الفضيلة هي المعرفة تعني أن هناك حيزاً موضوعياً نستطيع أن نتعرف عليه وذلك باستخدام العقل، والتحليل العلمي الموضوعي.

حيث أن الفيلسوف يستطيع ذلك، فالأولى أن يناط به الحكم، فعلى رأي أفلاطون أنه يمر بتعليم وتدريب متواصل، ويبدأ بعد أن يتم انتقاء من يكون لديه سمات الذكاء والصحة والنمو السليم، وتعليمهم القراءة والكتابة والحساب والموسيقى والتربية الرياضية، ويمر الناجحون إلى الدراسة العسكرية ثم العلوم الرياضية البحتة وصولاً إلى دراسة الفلسفة في مرحلة النضج.

هذه الخطة التعليمية المتواصلة، التي في كل مرحلة من مراحلها يتم إبعاد وعزل الراسبين، ينتج عنها في النهاية أفراد ذو كفاءات عالية، قادرين على تحديد الخير والشر، وتمييز العدالة، ودراسة نظم الحكم ومعرفة أصلحها لحكم الدولة، وأن يدرسوا وظيفة كل طبقة وما ينفع به شأنها وما يضرها، والحدود التي يجب أن تلتزم بها الحكومات في مراقبة كل طبقة، وكما يجب أن تقوم به للمحافظة على كيان المجتمع.

إذن فإن أفلاطون يعد مؤسس أول جامعة في العالم، حيث أنشأ مدرسة أسماها الأكاديمية، وإن خاصية العلم التي يتسم بها خريجو الجامعة الافلاطونية، إنما تؤهلهم لتبوء مراكز القيادة والحكم، فالعلم بالنسبة لأفلاطون هو الفضيلة، والفضيلة هي السعادة، وأن العالم هو الرجل الفاضل الذي يستطيع جلب الخير والسعادة للمجتمع، عندما يكون في مركز الحكم والمسؤولية.

نشأة وتطور علم الاجتماع السياسي عند أرسطو:

كان تلميذاً لأفلاطون، تعلم في الأكاديمية، وبذلك تأثر إلى مدى كبير بآراء وأفكار أستاذه، وقد كانت نظرته تؤكد على ضرورة نشوء الجماعات، حيث يتكون الناس من ذكر وأنثى محتاجون إلى الاجتماع؛ ﻷن الإنسان لديه الغريزة في التكاثر وزيادة في الإنجاب ومن أجل بقاء النوع، فهو يرى في كتابه السياسة بأن الاجتماع أمر واقعي والفرد كائن اجتماعي، أي أن أفراد المجتمع من غير أية حاجة إلى التعاون، يرغبون رغبة قوية في عيشة الجماعة، وهذا لا يمنع أن كل واحد منهم مدفوع بانتفاعه المنفرد والمستقل، وبالرغبة في تحصيل حضه الفردي من البهجة والسرور التي يجب أن يأخذها، هذا هو على التحقيق غرض الكل بجملتهم وغرض كل واحد منهم على حدته.

كما أنه من وجهة نظر أرسطو بأن الناس يقومون بالاجتماع أيضاً على الأقل من أجل سعادة العيش وحدها، وأن حب الحياة هو بلا شك أحد كمالات الإنسانية، لذا فإنه يرى بأن الإنسان يتصل بالمجتمع السياسي حتى عندما لا يجد فيه شيئاً أكثر من المعيشة، وذلك يثبت الرؤية السياسية ﻷرسطو، التي محورها الاجتماع الإنساني.

لقد وضع أرسطو مرتكزات مجتمعه الفاضل على غرار ما تهيئه أستاذه أفلاطون في الجمهورية، وقال أن المجتمع هو أسمى صور الحياة السياسية، أما المركبات السياسية المترامية الأطراف كالامبراطورية مثلاً، فهي مركبات غير متلائمة من المستحيل عليها، حسب نظره تحقيق الهدف من الاجتماع الإنساني، وهي توفير سعادة المواطنين.


شارك المقالة: