نظام الطبقات الفرنسية وأثرها في الثورة الفرنسية

اقرأ في هذا المقال


لعل أكثر ما كان يسيء لفرنسا هو أنها لا زالت تحتفظ بنظام الطبقات، وما كان يرافقه من امتيازات فئة قليلة من الناس على حساب عامة الشعب.

طبقات المجتمع الفرنسي قبل الثورة:

كان الفرنسيون مُقسَّمون إلى ثلاثة طبقات، تفصل بين كل طبقة وأخرى حدود وفواصل يصعب تخطيها. وهذه الطبقات هي:

طبقة الأشراف:

تعتبر طبقة الأشراف في فرنسا من أعلى مراتب المجتمع الفرنسي والذين كانوا يحيطون بالملك، ويعيشون إلى جانبه ويدافعون عن نظامه، وبالمقابل يعيشون في ظل حمايته ويتمتعون بامتيازات كثيرة، والذي يعود أصول بعضها إلى عصر الإقطاع، فقد كان للأشراف أراضي واسعة يملكونها، والتي كان يعمل فيها الفلاحين الأقنان، وقد قُدّر حجم تلك الأراضي قبل الثورة خمس الأراضي الفرنسية الصالحة للزراعة، وقد كان للأشراف حق في شغل المناصب العليا في الجيش والإدارة والقضاء.
كما كان للأشراف حقوق على الفلاحين العاملين في أراضيهم، حيث كان لهم حق فرض الضرائب، كما كانوا يجبروا الفلاح على طحن غلاله في مطاحن الشرفاء أصحاب الأرض، وأن يقوم بعصر زيته في وخمره في معصرته، وكما كان لهم حق الصيد في أراضي الفلاحين، وكما كانوا يقضوا بين الفلاحين العاملين في أراضيهم، وكما كان للأشراف ميزات كثيرة في الدولة الفرنسية من إعفاءات ضريبية.
وكانت تلك الحقوق والامتيازات يرثها النبلاء والأشراف من أبائهم وأجدادهم منذ العصور الوسطى، إلا أنه في القرن الثامن عشر ميلادي، ومع تغير الأوضاع الاقتصادية ومع بداية التصنيع وانتشار الأفكار الحرة الجديدة، باتت كل ذلك تشكل عبئاً ثقيلاً على عاتق الفرنسيين.

طبقة رجال الدين:

شكَّلت طبقة رجال الدين في فرنسا طبقة ممتازة إلى جانب طبقة الأشراف، فقد كان لهم نفوذ قوي وطاغي تدعمه امتيازات قديمة، كانوا قد حصلوا عليها في العصور الوسطى ووضع مالي ممتاز، فقد كانت الأديرة والكنائس التي كانت منتشرة في فرنسا وبشكل كبير، كانت تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، حيث كانت تبلغ خمس الأراضي الزراعية في فرنسا، والتي كان يعمل فيها الآلاف من الفلاحين، والذين كانوا يعملون في ظروف قاسية جداً، وكانت الكنيسة تعمل على جمع الضريبة من الفرنسيين والتي كانت تعتبر مصدر مورد لهم.
وقد بلغت حصيلة الكنيسة في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي مليون فرنك من الذهب، وفوق كل تلك الامتيازات فقط كانت الكنيسة معفاة من الضرائب الحكومية، وقد أثار ذلك غضب الفرنسيين بأن الكنيسة لم تكن تصرف أموالها في الطريق المخصص لها، والذي كان من أجل الجماعة المسيحية.

طبقة عامة الشعب:

تحملت طبقة عامة الشعب في فرنسا أعباء الدولة الفرنسية كاملةً، فقد كانوا يقومون بدفع الضرائب المتزايدة، ويقومون بتقديم الجنود للحرب، كما كانوا يقومون بخدمة الأشراف والكنيسة وبمقابل ذلك كله كانت طبقة عاملة الشعب لا يحصلون إلا على حقوق ضئيلة، فقد كانت تلك الطبقة محرومة من أبسط حقوق الإنسان الطبيعية، مثل حق الحرية وحق المساواة أمام القانون وحق اختيار النظام السياسي والاقتصادي، والذي يرافق مصلحته ورغباته.
وقد كان هناك فئة قليلة من أبناء طبقة الشعب، من يتمتعون بوضع مالي ممتاز؛ ممّا جعل لها مكانة خاصة ودوراً رئيساً في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية، وقد أطلق على تلك الفئة اسم “البورجوازية”، ويعود تاريخ تلك الفئة إلى الفترة الاخيرة من عصور الإقطاع، وذلك عندما بدأت فئة قليلة من الأقنان تتحرر تتدريجياً من نفوذ السادة، وتقوم بتملك أراضي تستغلها لصالحها وتمارس عملاً تجارياً أو صناعياً فيها؛ ممّا سهل عملهم وجعلهم يسيطرون على الصناعة والتجارة.
وترفَّع طبقة النبلاء والأشراف عن العمل بتلك الأعمال، وكما أن اكتشاف أمريكا ونتيجة تدفق الأموال والثروات إلى أوروبا، واتساع مجال التجارة داخل أوروبا وخارجها، سهَّل على تلك الطبقة سبل الغنى والثروة، فقد ظهرت بين أبنائهم فئة من المثقفين والمتعلمين الذين برعوا في الطب والهندسة والفلسفة والفنون، حتى أصبحت تلك الفئة مزاحمة لأبناء الأشراف والنبلاء في المراكز الكبرى في الدولة، خصوصاً تلك المراكز التي تحتاج إلى علم واختصاص لم تكن متوفرة لدى أبناء الأشراف.
وفي القرن الثامن عشر ميلادي، أصبح أبناء تلك الطبقة علماء ومشاهير، عملوا على المساهمة في تنوير الشعوب، وأن يدركوا بما يعيشون من فساد وتضليل وسلب حقوقهم وأموالهم، والذي ساعد تلك الطبقة في نشر أفكارهم، كون أن برامج التعليم كانت أدبية، فالأدب هو حرية فردية؛ ممّا عمل ذلك على ثورة الفرنسيين ضد الظلم، فقد كانت ثورة الشعب بالدرجة الأولى على طبقة النبلاء والأشراف.


شارك المقالة: