هناك ثلاث نظريات نظرية لعلم الاجتماع توجه التفكير الاجتماعي حول المشكلات الاجتماعية، وهي النظرية الوظيفية ونظرية الصراع ونظرية التفاعل الرمزي، وتنظر هذه النظريات إلى نفس المشكلات الاجتماعية لكنها تفعل ذلك بطرق مختلفة، وتقدم وجهات نظرهم مجتمعة فهماً أكمل للمشاكل الاجتماعية أكثر مما يمكن أن تقدمه أي من نظريات نظرية بمفردها.
نظريات علم الاجتماع للمشاكل الاجتماعية
النظرية الوظيفية
نشأت الوظيفية المعروفة أيضًا باسم النظرية الوظيفية أو المنظور الوظيفي من ثورتين عظيمتين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، الأولى كانت الثورة الفرنسية عام 1789 التي هز عنفها الشديد وإرهابها الدموي أوروبا حتى صميمها، وكانت الأرستقراطية في جميع أنحاء أوروبا تخشى أن تنتشر الثورة إلى أراضيها، وكان المثقفون يخشون أن ينهار النظام الاجتماعي، وعززت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر هذه المخاوف، وبدأت الثورة الصناعية أولاً في أوروبا ثم في الولايات المتحدة مما أدى إلى العديد من التغييرات بما في ذلك صعود ونمو المدن حيث ترك الناس مزارعهم للعيش بالقرب من المصانع.
ومع نمو المدن عاش الناس في فقر متزايد وازدحام وظروف متهالكة وانتشرت الجريمة، ورداً على ذلك بدأ المفكرون في الكتابة أن المجتمع القوي كما يتجلى في الروابط والقواعد الاجتماعية القوية والتنشئة الاجتماعية الفعالة كان ضروريًا لمنع النظام الاجتماعي من التفكك، وحذروا من إنه بدون مجتمع قوي وتنشئة اجتماعية فعالة ينهار النظام الاجتماعي وينتج عن ذلك عنف وعلامات أخرى للاضطراب الاجتماعي، ووصل هذا الإطار العام إلى ثماره في كتابات إميل دوركهايم، وهو عالم فرنسي مسؤول إلى حد كبير عن المنظور الاجتماعي.
وباعتماد وجهة نظر المثقفين المحافظين حول الحاجة إلى مجتمع قوي شعر إميل دوركهايم أن لدى البشر رغبات تؤدي إلى الفوضى ما لم يحدها المجتمع، وإنه يفعل ذلك من خلال آليتين اجتماعيين متصلين هما التنشئة الاجتماعية والاندماج الاجتماعي، إذ تساعد التنشئة الاجتماعية على تعلم قواعد المجتمع والحاجة إلى التعاون، حيث ينتهي الأمر بالناس بالاتفاق بشكل عام على معايير وقيم مهمة، بينما يساعد التكامل الاجتماعي أو الروابط مع الآخرين والمؤسسات الاجتماعية مثل الدين والأسرة على تكوين علاقات اجتماعية بين بعض والاندماج في المجتمع وتعزيز الاحترام لقواعده.
وينشأ المنظور الوظيفي اليوم من عمل دوركهايم ومن منظور المثقفين المحافظين الآخرين في القرن التاسع عشر، ويستخدم جسم الإنسان كنموذج لفهم المجتمع، ففي جسم الإنسان تؤدي الأعضاء المختلفة وأجزاء الجسم الأخرى وظائف مهمة لصحة واستقرار الأجسام بشكل مستمر، فالأعين تساعد على الرؤية والآذان تساعد على السمع والقلب يساعد على دوران الدم، وهكذا. ومثلما يمكن فهم الجسم من خلال وصف وفهم الوظائف التي تخدمها أجزائه من أجل صحته واستقراره، كذلك يمكن فهم المجتمع من خلال وصف وفهم الوظائف التي تخدمها أجزائه أو بشكل أكثر دقة مؤسساته الاجتماعية أي استمرار الصحة واستقرار المجتمع.
وهكذا تؤكد الوظيفية على أهمية المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والدين والتعليم لإنتاج مجتمع مستقر، وعلى غرار وجهة نظر المثقفين المحافظين التي نشأت منها فإن الوظيفية تشكك في التغيير الاجتماعي السريع والاضطرابات الاجتماعية الكبرى الأخرى، ويساعد القياس بجسم الإنسان على فهم هذا الشك، ففي أجسام الإنسان أي تغيير مفاجئ وسريع هو علامة على الخطر على الصحة، وإذا كانت التغييرات بطيئة تكون جيدة بل وطبيعية، لكن التغييرات المفاجئة من الواضح أنها مزعجة.
وبالقياس فإن التغيرات المفاجئة والسريعة في المجتمع ومؤسساته الاجتماعية مزعجة وفقًا للمنظور الوظيفي، فإذا تطور جسم الإنسان إلى شكله ووظائفه الحالية؛ لأنها منطقية من منظور تطوري وكذلك تطور المجتمع إلى شكله ووظائفه الحالية؛ لأن هذه الأمور منطقية بالتالي فإن أي تغيير مفاجئ في المجتمع يهدد استقراره ومستقبله، كما تنظر الوظيفية إلى المشاكل الاجتماعية على أنها ناشئة عن التطور الطبيعي للمجتمع، فعندما تحدث مشكلة اجتماعية فقد تهدد استقرار المجتمع لكن هذا لا يعني وجود عيوب أساسية في المجتمع، وعليه يجب أن يكون الإصلاح الاجتماعي التدريجي هو كل ما هو مطلوب لمعالجة المشكلة الاجتماعية.
وتشير الوظيفية حتى إلى أن المشكلات الاجتماعية يجب أن تكون وظيفية في بعض النواحي للمجتمع، وإلا فإن هذه المشاكل لن تستمر، وهذا بالتأكيد اقتراح مثير للجدل لكن من الصحيح أن العديد من المشكلات الاجتماعية تخدم وظائف مهمة للمجتمع، على سبيل المثال تعد الجريمة مشكلة اجتماعية كبيرة ولكنها مفيدة أيضًا للاقتصاد لأنها تخلق مئات الآلاف من الوظائف في إنفاذ القانون والمحاكم والإصلاحيات والأمن المنزلي، وغيرها من قطاعات الاقتصاد التي يتمثل دورها الرئيسي في التعامل مع جريمة.
ولو اختفت الجريمة لكان الكثير من الناس عاطلين عن العمل، وبالمثل يعد الفقر أيضًا مشكلة اجتماعية رئيسية ولكن إحدى الوظائف التي يخدمها الفقر هي أن الفقراء يقومون بوظائف قد لا يتم إنجازها لولا ذلك لأن الآخرين لا يرغبون في القيام بها مثل الجريمة.
نظرية الصراع
من نواحٍ عديدة تعتبر نظرية الصراع نقيضًا للوظيفية ولكن من المفارقات أيضًا أنها نشأت من الثورة الصناعية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عالم الاجتماع كارل ماركس ومساعده فريدريك إنجلز، ففي حين خشي المثقفون المحافظون العنف الجماعي الناتج عن التصنيع استنكر ماركس وإنجلز الظروف التي شعروا أنها مسؤولة عن العنف الجماعي والمجتمع الرأسمالي الذي شعروا إنه مسؤول عن هذه الظروف، وبدلاً من الخوف من انهيار النظام الاجتماعي الذي يمثله العنف الجماعي، شعروا أن العنف الثوري ضروري للقضاء على الرأسمالية والفقر والبؤس الذي رأوا أن نتائجه حتمية.
ووفقًا لماركس وإنجلز ينقسم كل مجتمع إلى فئتين بناءً على ملكية وسائل الإنتاج أي الأدوات والمصانع وما شابه ذلك، ففي المجتمع الرأسمالي أو البرجوازية أو الطبقة الحاكمة تمتلك وسائل الإنتاج بينما لا تمتلك الطبقة العاملة وسائل الإنتاج، وبدلاً من ذلك تتعرض للاضطهاد والاستغلال من قبل البرجوازية، ويخلق هذا الاختلاف تضاربًا تلقائيًا في المصالح بين المجموعتين، ببساطة فإن البرجوازية مهتمة بالحفاظ على موقعها في قمة المجتمع، بينما تكمن مصلحة الطبقة العاملة في النهوض من أسفل وإسقاط البرجوازية لخلق مجتمع قائم على المساواة.
وكتب ماركس وإنجلز إنه في المجتمع الرأسمالي لا مفر من الثورة بسبب التناقضات الهيكلية الناشئة عن طبيعة الرأسمالية ذاتها، ولأن الربح هو الهدف الرئيسي للرأسمالية فإن مصلحة البرجوازية تكمن في تعظيم الربح، وللقيام بذلك يحاول الرأسماليون إبقاء الأجور منخفضة قدر الإمكان وإنفاق أقل قدر ممكن من المال على ظروف العمل، وقال ماركس وإنجلز إن هذه الحقيقة المركزية للرأسمالية أدت في النهاية إلى صعود الوعي الطبقي، أو الوعي بأسباب اضطهادهم بين العمال، ويقودهم وعيهم الطبقي بدوره إلى الثورة ضد البرجوازية للقضاء على الاضطهاد والاستغلال الذي يعانون منه.
كما إن نظرة ماركس وإنجلز إلى الصراع الناشئ عن المواقف غير المتكافئة التي يتبناها أعضاء المجتمع تكمن في قلب نظرية الصراع اليوم، وتؤكد هذه النظرية أن المجموعات المختلفة في المجتمع لها اهتمامات مختلفة تنبع من مواقفهم الاجتماعية المختلفة، وتؤدي هذه الاهتمامات المختلفة بدورها إلى وجهات نظر مختلفة حول القضايا الاجتماعية المهمة، وبعض إصدارات النظرية تجذر الصراع في الانقسامات القائمة على العرق والجنس وغيرها من الاختلافات المماثلة، بينما يتبع ماركس وإنجلز في رؤية الصراع إصدارات أخرى تنشأ من مواقف مختلفة في الهيكل الاقتصادي.
وبشكل عام تؤكد نظرية الصراع على أن مختلف أجزاء المجتمع تساهم في استمرار عدم المساواة، في حين أن النظرية الوظيفية تؤكد أنها تساهم في الاستقرار المستمر للمجتمع.