نظرية التنظيم ومشكلة القيم عند نيكوس بولانتزاس في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نظرية التنظيم ومشكلة القيم عند نيكوس بولانتزاس في علم الاجتماع:

كشفت الدراسات الحديثة عن ارتباط العديد من النظريات السوسيولوجية بأحكام القيمة، وقد حاول نيكوس بولانتزاس في رسالته الكشف عن التوجيهات القيمية التي تقف وراء بعض الآراء المطروحة في التراث التنظيمي كالتايلورية وحركة العلاقات الإنسانية، ويذهب الباحث إلى أن محاولات المدرستين وهما مدرسة العلاقات الإنسانية ومدرسة الكلاسيكية، إخفاء أحكام القيمة تحت ستار الموضوعية، وادعائهما تقيم حلول علمية لصراعات القوى التي تنجم عن المصالح المتعارضة، ليست فقط محاولات ساذجة، ولكنها أيضاً أحد الأسباب التي أدت إلى رفض بعض لنقاد ﻵراء تلك المدارس.

غير أنه على الرغم من أن القيم تلعب دوراً واضحاً في العلوم الاجتماعية بوجه عام وفي علم الاجتماع بوجه خاص، من حيث تحديد المشكلات التي يخضعها الباحث للدراسة، وفي تحديد الأدوات التصورية والمنهجية للبحث، إلا أنها لا تشكل بالضرورة عاملاً مشوهاً للبحث السوسيولوجي.

كما لا يعني هذا كافة النتائج التي يصل إليها ذلك الباحث، وعلى سبيل المثال لو أننا اعترفنا بأن أنصار مدرسة العلاقات الإنسانية انطلقوا في دراساتهم من مجموعة من القيم الإدارية والتوجيهات الأيديولوجية المعينة، الأمر الذي جعلهم يركزون على مشكلات معينة مثل مشكلات الإنتاج ويضيفون من وحدة التحليل ومجال الدراسة، فإن هذا لا يبرر على الإطلاق رفض كل ما توصلت إليه هذه المدرسة من نتائج رفضاً مسبقاً، بدعوى أنها قضايا زائفة أو مضللة.

ويذهب بعض المحللين إلى أن الإطار التصوري لدراسة التنظيمات الذي يتجاهل مفهوم وعمليات الصراع التنظيمي، سوف لا تكون له سوى محدودة في معالجة المشكلات التنظيمية خاصة مشكلة الديموقراطية الصناعية في المجتمع الحديث، ولكن الواقع أن هذا القول يجب ألا يؤخذ على اطلاقه، ﻷن مثل هذا النموذج يمكن أن يكون كافياً ومناسباً في تلك الحالات التي تقل فيها الصراعات البنائية في الجوهرية داخل التنظيمات.

وتجدر هنا الإشارة إلى أن الاستخدام الأيديولوجي والسياسي لنتائج الأبحاث السوسيولوجية، لا يعني شيئاً لصدق هذه النتائج أو كذبها، فقد تستخدم نتائج أبحاث معينة في دعم الاتجاه المحافظ أو الاتجاه الراديكالي، ولكن هذا الأمر لا يدفعنا بالضرورة إلى رفض مثل هذه الأبحاث والنتائج التي توصلت إليها.

فالقضية الذاهبة إلى أن أصحاب الأعمال قد يقفو ضد بعض الإجراءات التي من شأنها تحسين أحوال العمال وتقليل الصراعات والتناقضات داخل التنظيمات قد تكون صادقة تماماً على الرغم من إمكانية استخدامها لخدمة أهداف سياسية، وبالمثل فإنه يمكن أن يقال أن مدرسة العلاقات الإنسانية يحاول مساعدة على الحصول على أعلى إنتاجية ممكنة من العمال من خلال أساليب معينة، مما يساعد أصحاب الأعمال والرأسماليين على تحقيق المزيد من الأرباح، ولكن هذا لا يعني رفض نتائج تلك المدرسة، بل على العكس من ذلك، فكلما نجح صاحب العمل في تحقيق أهدافه من خلال مدخل العلاقات الإنسانية، كانت هناك فرصة أكبر لدعم نتائج هذه المدرسة وتأييد فروضها وقضاياها.

الاتجاهين المعارضين لتطور الفكر التنظيمي عند نيكوس بولانتزاس في علم الاجتماع:

1- الاتجاه الذي يجعل من المجتمع الوحدة الإنسانية للتحليل، ويمثل هذا الاتجاه ماركس وفيبر.

2- الاتجاه الذي يجعل من الإنسان وعضو التنظيم الوحدة الإنسانية للتحليل، ويمثل هذا الاتجاه أنصار التايلورية والعلاقات الإنسانية وغير أن هذين الاتجاهين المتعارضين يتجهان نحو الالتقاء عند نقطة متوسطة حيث ظهر اتجاه ثالث يتخذ من التنظيم نفسه وحدة للتحليل.

وهكذا يبرز لنا ثلاثة مستويات للتحليل، ويشير الكاتب نيكوس إلى أنه عند كل مستوى من هذه المستويات، نجد أن هناك علاقات متشابكة بين القيم والاهتمامات العقلية من ناحية، وبين الإطارات التصورية من والأسلوب المنهجي من ناحية أخرى، وهذا التفاعل أو التشابك هو ما يضفي على كل مدخل طابعه المميز.

فأنصار المدخل الكلاسيكي فيبر وماركس يركزون تحليلاتهم حول قيمة الحرية الإنسانية وترشيد المجتمع والحياة الاجتماعية ككل، وهذا التركيز هو الذي حذا بهم إلى معالجة مشكلات الاغتراب والصياغة البيروقراطية للمجتمع والتسلط الذي يعاني منه الإنسان داخل المجتمع الصناعي الحديث، ويمكن القول بأن اهتماماتهم بمثل هذه المشكلات هو الذي دفعهم إلى تبني إطار تصوري متسع واتخاذ المجتمع ككل وحدة التحليل من ناحية، وإلى الاعتماد على المنهج التاريخي المقارن لدراستها ومعالجتها علمية من ناحية أخرى.

أما أنصار التايلورية والعلاقات الإنسانية، فإنهم ينطلقون أساساً من القيم السائدة داخل المجتمع الغربي، كما أنهم يركزون على بعض المشكلات المحدودة النطاق داخل التنظيمات وفي مقدمتها مشكلة الإنتاجية، ويمكن القول بأن طبيعة المشكلات التي اهتموا بدراستها هي التي حدث بهم إلى تبنى إطار تصوري ضيق من ناحية وإلى القيام بالأبحاث الأمبيريقية من ناحية أخرى.


شارك المقالة: