اقرأ في هذا المقال
- أبعاد ضبط النفس المسببة للجريمة
- العلاقة بين العدوان في مرحلة الطفولة والإجرام
- الجريمة والاستقرار السلوكي عبر مسار الحياة
نشر جوتفريدسون وهيرشي في كتاب شديد التأثير على نطاق واسع بعنوان نظرية عامة للجريمة، حيث وضعوا فيه نظرية بسيطة عن الجريمة يمكن اختبارها بسهولة، والتي تهتم بالجانب الشخصي من حيث ضبط النفس وتباينها بين المستويات الفردية.
أبعاد ضبط النفس المسببة للجريمة
على عكس معظم النظريات الإجرامية التي تركز بشكل شبه حصري على العوامل الاجتماعية ركز جوتفريدسون وهيرشي انتباههم على سمة شخصية نفسية وهي ضعف ضبط النفس، ووفقًا لهذه النظرية فإن المستويات المنخفضة من ضبط النفس هي سبب الجريمة والانحراف والعدوان والأفعال المماثلة مثل التدخين والشرب والوصول متأخرًا إلى الفصل، وتم تحديد انخفاض ضبط النفس من خلال ستة أبعاد مختلفة:
1- عدم القدرة على تأخير الإشباع.
2- تفضيل المهام البسيطة.
3- الميل إلى البحث عن المخاطر.
4- تفضيل الأنشطة البدنية بدلاً من الأنشطة العقلية.
5- مزاج متفجر.
6- تمركز حول الذات.
الأشخاص الذين يحصلون على درجات عالية في هذه الأبعاد الستة لديهم في المتوسط، ومستويات منخفضة نسبيًا من ضبط النفس يكونون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات معادية للمجتمع وإجرامية، واختبرت مجموعة غنية من الأبحاث هذا الاقتراح وكانت النتائج داعمة بشكل لافت للنظر لهذه النظرية، وفي الواقع من بين جميع النظريات الإجرامية الحالية فإنّ نظرية جوتفريدسون وهيرشي عن ضبط النفس المنخفض هي من بين أكثر النظريات دعمًا تجريبيًا، وغالبًا ما تكون تدابير ضبط النفس المنخفض أقوى تنبؤات بالأفعال الجانحة.
العلاقة بين العدوان في مرحلة الطفولة والإجرام
يبدو أنّ التباين في المستويات الفردية لضبط النفس هو عامل مهم يساهم في جنوح المراهقين وجرائم البلوغ، ومع ذلك فإنّ الأسئلة المتبقية هي ما إذا كانت هذه النظرية يمكن أن تفسر أولًا العدوانية في مرحلة الطفولة وثانيًا العلاقة بين العدوان في وقت مبكر من الحياة والسلوكيات المسيئة في وقت لاحق، ولمعالجة هذه القضايا من الضروري فحص طبيعة ضبط النفس.
الإجرام والتنشئة في مرحلة الطفولة
أكد جوتفريدسون وهيرشي أنّ ضبط النفس يتم هندسته أثناء الطفولة عادةً في سن 8 إلى 10 سنوات، والآباء وفقًا للنظرية العامة هم الوكلاء الرئيسيون المسؤولون عن تشكيل وصياغة مستوى ضبط النفس لدى أطفالهم، وعلى وجه التحديد فإنّ الآباء الذين يراقبون أطفالهم ويتعرفون على سوء سلوك أطفالهم ويعاقبون تجاوزات أطفالهم وسيرفعون بشكل متوازن أطفالًا يتمتعون بمستويات عالية نسبيًا من ضبط النفس، والآباء والأمهات الذين يفشلون في الانخراط في تقنيات الأبوة والأمومة هذه شكل عام سوف يربون الأطفال بمستويات منخفضة نسبيًا من ضبط النفس.
إذا كان هذا الجزء من النظرية صحيحًا فسيستغرق الأمر من 8 إلى 10 سنوات للآباء لتشكيل مستوى ضبط النفس لدى الطفل، وعلاوة على ذلك ليس من غير المعقول افتراض أنّ معظم الآباء لا ينخرطون في الكثير من التأديب قبل أن يبلغ أطفالهم سن 18 شهرًا تقريبًا، وفي هذا الوقت تقريبًا يبدأ معظم الأطفال في إظهار علامات العدوان وبالتالي هو نفس الوقت تقريبًا الذي يبدأ فيه معظم الآباء في معاقبة سلوك أطفالهم السيئ وتصحيحه.
على مدار السنوات القليلة المقبلة وفقًا لمنطق نظرية ضبط النفس على الأقل سيستمر معظم الآباء في محاولة الحد من السلوكيات العدوانية لأطفالهم، وسيستجيب معظم الأطفال للتنشئة الاجتماعية الأبوية وسوف يهدأ استخدامهم للعدوان وبين سن 5 إلى 8 سنوات لن يكون سلوكهم العدواني منتشرًا كما كان خلال مرحلة الطفولة المبكرة، وبالتالي قد تكون تكتيكات التنشئة الاجتماعية الأبوية قادرة على تفسير منحنى الجريمة في سن مبكرة الذي حدده تريمبلاي وزملاؤه.
الإجرام والتنشئة في مرحلة المراهقة
خلال الفترة بين الطفولة والمراهقة المبكرة لم يكن استخدام العدوان مرتفعًا كما كان في وقت مبكر من الحياة، ومع بداية فترة المراهقة يبدأ التورط المتأخر في الدفع في الارتفاع بشكل حاد ليشكل الارتفاع الأولي في منحنى السن والجريمة الأكثر تقليدية، ويجادل مؤيدو نظرية جوتفريدسون وهيرشي بأنّ الاختلافات في ضبط النفس يمكن أن تفسر أيضًا منحنى العمر والجريمة، وعلى الرغم من عدم فهمه جيدًا ونادرًا ما يتم دراسته إلّا أنّ هناك سببًا للاعتقاد بأنّ مستويات ضبط النفس في المتوسط تكون في أدنى مستوياتها خلال فترة المراهقة من منتصف إلى أواخرها وفي نفس الوقت تقريبًا الذي تكون فيه المشاركة الجانحة في ذروتها.
قرب نهاية فترة المراهقة وأثناء مرحلة البلوغ المبكرة تبدأ مستويات ضبط النفس في الارتفاع، وهو ما يتوافق مع الانخفاض السريع في معدلات المشاركة في التأخر في السداد، ومع ذلك فإنّ الأسباب الدقيقة وراء تغيير مستويات ضبط النفس بمرور الوقت غير معروفة.
الفرصة الإجرامية
من المهم أيضًا ملاحظة أنّ النظرية العامة تضع تركيزًا كبيرًا نسبيًا على الدور الذي تلعبه الفرص الإجرامية في تحويل المستويات المنخفضة من ضبط النفس إلى عمل إجرامي، وإذا لم تكن هناك فرصة للجريمة فلن يرتكب أي شخص ولا حتى الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة جدًا من ضبط النفس- جريمة.
بالتالي من الممكن أن يكون هناك المزيد من فرص الجريمة المتاحة خلال فترة المراهقة (خاصة لأنّ الشباب قادرون على الهروب من المراقبة المستمرة لوالديهم) مقارنةً بهم في وقت مبكر من الحياة (الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا)، وإذا كان هذا هو الحال فقد تكون نظرية ضبط النفس قادرة على تفسير جزء على الأقل من الطبيعة المتدرجة للعمر لمشاركة المراهقين الجانحين.
الجريمة والاستقرار السلوكي عبر مسار الحياة
المناقشة السابقة تسلط الضوء على الطرق الممكنة التي يمكن لنظرية ضبط النفس أن تشرح كلا من منحنى الجريمة في سن مبكرة ومنحنى السن والجريمة في وقت لاحق، ومع ذلك هل يمكن لهذه النظرية أن تفسر أيضًا الاستقرار في السلوكيات المعادية للمجتمع بمرور الوقت، بما في ذلك الارتباط بين العدوان في وقت مبكر من الحياة وجرائم الحياة اللاحقة؟ وفقًا لجوتفريدسون وهيرشي فإنّ الإجابة هي: “نعم!”، ولفهم تفسيرهم للاستقرار من المهم أن نتذكر أن مستويات ضبط النفس تظهر في حوالي سن الثامنة إلى العاشرة، وعلاوة على ذلك وفقًا لهذه النظرية بعد تحديد مستويات ضبط النفس تظل مستقرة نسبيًا على مدى ما تبقى من دورة الحياة.
وهذا يعني أنّ الطفل الذي يتمتع بمستويات منخفضة نسبيًا من ضبط النفس سينضج إلى مراهق يتمتع بمستويات منخفضة نسبيًا من ضبط النفس، والذي بدوره سيتطور إلى شخص بالغ يتمتع بمستويات منخفضة نسبيًا من ضبط النفس، وبالنظر إلى أنّ ضعف ضبط النفس هو سبب الأفعال المعادية للمجتمع بما في ذلك العدوان والجريمة، فإنّ الأطفال الذين يعانون من ضعف ضبط النفس سيكونون عرضة لخطر استخدام العدوانية، ولأنّهم سيتطورون إلى مراهقين يعانون من ضعف ضبط النفس فسيكونون كذلك ومعرضة لخطر استخدام العدوان في مرحلة المراهقة، وفي مرحلة البلوغ سيكون الأشخاص ذوو ضبط النفس المنخفض عرضة للانخراط في الأعمال العدوانية وكذلك الأعمال الإجرامية.
إذن وفقًا للنظرية العامة فإنّ السبب وراء انتشار العدوان أثناء الطفولة هو أنّ ضبط النفس لم يتم اكتسابه بعد، ومع تقدم الأطفال في العمر ومع قيام آبائهم بتكوينهم اجتماعيا يبدأون في تراكم مستويات أعلى بكثير من ضبط النفس، ويصاحب ظهور ضبط النفس هذا انخفاض مصاحب في السلوكيات العدوانية، وبالطبع لا يطور كل الأطفال مستويات عالية من ضبط النفس وهؤلاء الأطفال الذين يتميزون بمستويات منخفضة من ضبط النفس هم وفقًا لجوتفريدسون وهيرشي نفس الأطفال المعرضين لخطر أكبر للاستمرار في الانخراط في السلوكيات العدوانية في مرحلة المراهقة.
كما أنّهم معرضون لخطر كبير للانخراط في سلوك إجرامي خلال مرحلة البلوغ، وإنّ نظرية جوتفريدسون وهيرشي حول انخفاض ضبط النفس لديها القدرة على تفسير العلاقة بين العدوانية في وقت مبكر من الحياة والسلوكيات المخالفة للقانون في وقت لاحق من الحياة.