نظرية هوارد بيكر في الانحراف النموذج التصنيفي في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نظرية هوارد بيكر في الانحراف النموذج التصنيفي في علم الاجتماع:

هناك مجموعة من العلماء مثل هوارد بيكر يفضلون الرجوع عند دراسة الاستواء والانحراف إلى رد الفعل المجتمعي تجاه السلوك، أي أنهم يفضلون دراسة قضية الانحراف، من خلال الإجابة على التساؤلات التالية، أولاً ما هو مفهوم أعضاء المجتمع عن الانحراف وكيف يحددونه؟ ثانياً ما هي طبيعة النماذج السلوكية والخصائص الشخصية التي ينظر إليها أبناء المجتمع على أنها نماذج وخصائص انحرافية؟ ثالثاً ما هو رد الفعل المجتمعي إزاء السلوك الانحرافي؟

حيث قدم لنا بيكر نظرية أطلق عليها النظرية بالتصنيفية للانحراف، فالمجتمعات طبقاً لهذه النظرية هي التي تحدد الانحراف، وذلك من خلال إقرار بعض القواعد التي يعد انتهاكاً انحرافاً من منظور أبناء ذلك المجتمع، وبهذا فإن الانحراف ليس خاصية للفعل الذي يرتكبه الإنسان، وإنما هو مسألة تتعلق بثقافة المجتمع وبنظرة أبنائه، فالشخص المنحرف هو الذي يخالف قواعد المجتمع والذي يصفه المجتمع نتيجة لذلك بأنه كذلك، وبقول آخر فإن الانحراف هذا ليس صفه يوصف بها السلوك في ذاته، ولكنه خاصية يخلعها المجتمع على سلوك معين في ضوء القيم والمعايير السائدة.

وهناك مجموعة من الخلافات بين النموذج التصنيفي عند بيكر وبين نموذج الاتفاق عند ميرتون، فالنموذج الأخير يفترض سيادة حالة عامة من الاتفاق على القواعد السائدة داخل المجتمع، وعلى ضرورة الامتثال لها، ويحدث الانحراف نتيجة لمجموعة من الضغوط في مقدمتها عدم إقدام بعض الأشخاص على تحقيق قيم المجتمع بسبب توافر إمكانيات ذلك التحقيق، وبقول آخر فإن الشخص يضطر لكسر قاعدة يؤمن بها بسبب وجود بعض الدوافع التي تدفعه إلى ذلك، وهنا تكون مهمة الباحث السوسيولوجي هي محاولة الكشف عن تلك الدوافع التي تؤدي إلى ظهور السلوك.

أما النموذج التصنيفي عند بيكر فإنه لا يهتم كثيراً بدوافع السلوك المنحرف، ﻷن هذا السلوك يصدر عادة من أفراد وجماعات تعتبره سلوكاً طبيعياً، ولكن المجتمع هو الذي يصفه بالانحراف، ولعل هذا هو ما جعل هذا الباحث الأخير يتجاوز السؤال عن الدوافع إلى السؤال التالي، لماذا ينظر المجتمع إلى أنشطة معينة على أنها أنشطة انحرافية؟

ولكن إذا ما طرحنا السؤال التالي، كيف يتم تحديد السلوك المنحرف داخل المجتمع؟ فإننا سوف نقابل بمجموعة متباينة من الإجابات، يضاف إلى ذلك أن هناك قدراً من عدم الاتفاق بين أعضاء المجتمع وجماعاته حول ما يعد انحرافاً وما لا يعد كذلك، فهناك بعض الناس يعدون منحرفين من قبل الآخرين، ولكنهم يرفضون هذا الحكم، ويبررون سلوكهم بأنهم لا يقبلون القواعد التي يتم في ضوئها الحكم عليه بأنه سلوك منحرف.

وهناك بعض الناس الذين يقررون انتهاكهم لقاعدة ما، ولكنهم يبررون ذلك بأن هذا الانتهاك أمر مشروع ﻷنهم بهذا الانتهاك إنما يمتثلون لقاعدة أخرى أهم من وجهة نظرهم ولها نفس القدر من الاحترام داخل المجتمع نفسه، وبوجه عام فإن النموذج التصنيفي يعتمد في تحديده للانحراف على التصنيف الثقافي للسلوك والأفعال الاجتماعية داخل المجتمع.


شارك المقالة: