هل تجلعلنا الثقافة أكثر إنسانية؟
يمكن للثقافة في كافة المجتمعات أن تجعلنا أكثر إنسانية، كما يمكن للثقافة أن تتمادى إلى كل ما يكون هدفه أن يجعل للأشخاص صفات إنسانية.
تاريخ الثقافات الإنسانية هو عبارة عن تاريخ ثقافي، يكون هدفه الأساسي انتزاع النفس من الحتمية الطبيعية، والإنسان لا يكتسب إنسانيته من دون ثقافة، فهي التي تعمل على تهذيب الطبائع وتنمّي الوعي وتقرّب الأفراد من بعضهم البعض، ولا يتوصل الشخص أبداً إلى اكتساب أسس الثقافة إذا وضِع في وسط متحضر، فالطبيعة بهذا المعنى، عاجزة عن جعله شخص ذو طابع إنساني، لأن الإنسان ليس كائناً طبيعياً فحسب.
قد يتقدم بعض الأشخاص إلى القول أن الطبيعة الإنسانية تستطيع وحدها أن تجعل من جماعة من البشر مجتمعاً إنسانياً سعيداً، غير أن هذا ليس مؤكداً إذا ما تُركت تلك الجماعة في وضعها الطبيعي، كما بيّن العالم توماس هوبز بمقولته الشهيرة “الإنسان ذئب للإنسان” ومعناها “المرء كالذئب تجاه الأخرين.” فالاختلاط الثقافي لا يكفي لجعل الإنسانية داخل الأفراد، لأن الخوف يدفع إلى الكراهية، والكراهية تدفع بدورها إلى العدوان.
كما أن من حق كل شخص أن يمارس حقه في الدفاع عن نفسه، ضمن حقوقه الإنسانية، ولولا حدوث أمر يقظة الفكر التي دفعت الناس إلى الاتفاق على وضع أمورهم بين يدي سلطة حاكمة تحقق أمنهم الثقافي وسلامتهم، لانقرض الجنس البشري بالتقاتل، أي أن المرور إلى الوضع الثقافي الإنساني هو الذي يتثقف بفضله الإنسان.
رأي بعض علماء الاجتماع في الثقافة الإنسانية:
وقد أكد العالم توماس هوبز في قصته المعروفة “ليفياتان” على أمر عجز الطبيعة عن الإنسانية، وأوضح من خلالها أن الخوف الثقافي الطبيعي لا يتلاشى تماماً، حتى في المجتمع المنضبط.
إضافة إلى ما جاء عن عالم الاجتماع الألماني نوربرت إلياس، حين بيّن أن تطور الأعراف في الغرب تتميز بتطبيق الرغبات، إذ لاحظ أن الأفراد لا يظهرون أيّ أمر يشير إلى طبيعتهم الثقافية، كاستعمال المناديل وإغلاق الفم عند المضغ والتعطر، أي أنهم يحجبون عن الآخرين ما يحتفظ به الجسد من طبع، فيغدو الحياء إلزاماً اجتماعياً، وتغدو الثقافة إرغاماً للذات.
وبناء على ما جاء في أقوال العالم الألماني نوربرت إلياس، أنه ينبغي على كافة الأفراد أن يتخلصوا من أصولهم الطبيعية كي يكتسبوا إنسانيتهم، كذلك تبقى الثقافة وحدها عاجزة عن جعل الأفراد اجتماعيين مدنيين متحضرين.