وصايا النبي في حجة الوداع

اقرأ في هذا المقال


حجة الوداع:

كانت حجة الوداع لقاء توصيةٍ ووداعٍ بين الأمة الإسلامية ورسولها، حيثُ وصّى رسولنا الكريم في هذة الحجّة بأحكام الدّين، فخاطب بها أصحابهُ والأجيال من بعدهم، أي أنه خاطب البشرية عامةً، بعد أنّ أدى الأمانة، وبلّغ الرسالة، ووضحّ مبادئ الرحمة والإنسانية. وكانت الخطبةُ أيضاً لقاءُ وداع رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأمتهِ، ووداعاً لهذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، التي لا تعب ولا نصبَ فيها.

أهم وصايا النبي في حجة الوداع

من أهم الوصايا التي أوصى بها الرسول الكريم في خطبته في حجة الوداع كانت تتضمنُ مايلي:

  • كتاب الله: أوصى النبيّ بالإعتصام بكتاب الله، وسنته صلى الله عليه وسلم أمانًا وعصمة من كل ضلال، وتجنب شرك الجاهلية وطريق الشيطان.

فقال النبي:” أَما بعد أَلاَ أَيُّهَا الناس فإنما أَنا بَشر يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب وأَنا تارك فيكمْ ثقلين أولهما كتاب اللَّهِ فِيه الْهدَى وَالنور فخذوا بكتاب اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ”. رواه مسلم.

كان النبي يعلم بأن أمته سترى اختلافًا كبيرًا من بعده في الأفكار والمذاهب والعادات والتقاليد المترسخة وهو ما يمكن أن يودي بها مسالك التهلكة لولا تمسكها بالطريق القويم.

ويقول صلى الله عليه وسلم في خطبته:”إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، وَلَكِنَّهُ إِنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ” أخرجه أحمد.

  • حرمة الدماء والمال والاعراض: أوصى النبي بتحريم سفك الدماء كحرمةِ البيت والشهر الحرام، وتحريم التنازع، والتطاحن، والفرقة كما أوصى بحرمة الأموال والأعراض بين المسلمين.

يقول النبي في الخطبة:”إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلَقْوَنْ رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا”.رواه البخاري.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حُرمة الدماءِ والأموالِ والأعراضِ أيضًا في خطبته يوم النحر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:“خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أيّ يومٍ أعظمُ حرمة قالوا: يومنا هذا، قال: فأيّ شهرٍ أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا، قال: فأي بلد أعظم حرمة قالوا: بلدنا هذا، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، هل بلغت! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد”.رواه مسلم”.

  • العدل: لقد أوصى النبي بتحريم الظلم، والربا، والسرقة، ونهبِ الأموال بالباطل، وتحريم العبث بالأشهر الحُرم على عادة الجاهلية.

يقول رسول الله في خطبته:“ألا إن كل ربًا من ربًا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع” رواه أبو داود.

وجاء في السيرة النبوي لابن هشام أن النبي أوصى أصحابه في الخطبة بتحري الأمانة مُذكراً إياهم بلقاء الله.السيرة النبوية:605

وقال النبي في منع التلاعب في الشهور“إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرم”.رواه أبو داوود.

  • البشرُ متساويين: أوصى النبي بنبذ العصبية والقبلية وفوارق اللغة والأنساب والعرق، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

وقال النبي بوضوح لمنع الثأر والعصبية القبلية:” ألا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهليَّة تَحْتَ قَدَمِي، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، ودماء الجاهلية موضوعة” رواه ابن ماجة.

وتسامح النبي في دم ابن عمه الذي قتله هذيل، وهو درس في حقن الدماء، فيقول:”وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ“. رواه مسلم

  • أخوة في الإسلام: أوصى النبي بدعم الرباط بين قلوب المؤمنين، ورعاية الأهل وصلة الأرحام .

وجاء في السلسلة الصحيحة أنّ النبي حرص على تأصيل مبدأ الأخوة في الإسلام . وقال: أيها الناس إسمعوا قولي واعقلوه لقد علمنا أن كل مسلم أخٌ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسٍ
منه فلا تظلمن أنفسكم ..اللهم هل بلغت . فذكر أن الناس قالوا : اللهم نعم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
” اللهم اشهد”. صححه الألباني.

  • وصية الرسول بالنساء: أوصى النبي خيرًا بالنساء، وتأكيد حقوقهن وكرامتهن .

فيقول الحبيب في خطبته ما يفيد توازن العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة ومنع العدوان بينهما، ولو أخطأت المرأة يجوز تأديبها برفق، ولها حقوقها من مأكل وكسوة ومعاملة بالمعروف، فالمرأة عند زوجها أمانة وطبيعتها ضعيفة وقد استحللها بكلمة الله.

يقول النبي:”أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقًا ، ولهن عليكم حقًا ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي”.  رواه الترمذي.

  • إطاعة الحاكم الصالح: أوصى الحبيب عليه الصلاة والسلام، بالسَمعِ والطاعة للحاكم، ما أطاع الله ورسوله في رعيته.

فقد ورد حديث برواية جابر بن عبد الله يقول النبي:” اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ”. صححه الألباني.

وفي هذا اليوم الذي ألقيت فيه خطبة الوداع نزل قول الله سبحانه وتعالى:“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ”. المائدة: 3 وعندما سمعها عُمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنّه ليس بعد الكمال إلا النقصان. وكأنّه استشعر وفاة النبيّ صلوات الله عليه وسلامه. فقه السيرة للغزالي.

المصدر: كتاب حجة الوداع، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي"ابو محمد".حجة الوداع، اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي أبو الفداء عماد الدين.خطبة الوداع، ابن عثيمين.


شارك المقالة: