قصة مفجر القنابل جورج ميتسكي

اقرأ في هذا المقال


من أصعب ما يمكن أن يلقاه الإنسان هو أن يكون متفاني في عمله وعند أول موقف يتم الاستغناء عنه وتناسي كمية الجهد والمعاناة التي كان يبدلها من أجل النجاح والابداع في عمله، وهذا ما حدث مع السيد جورج، تابع معنا عزيزي القارئ القصة للنهاية لنرى ما انتهى به الأمر.

قصة مفجر القنابل جورج ميتسكي

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في فصل الربيع من عام 1973م، حيث أنه في يوم من الأيام قامت واحدة من المستشفيات في مدينة نيويورك والتي تعرف باسم مستشفى ماتيوان المخصص للأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية بإطلاق سراح أحد النزلاء؛ وقد كان السبب في إطلاق صراحه هو أنهم اعتقدوا أنه أصبح في مستوى عقلي يسمح له بالخروج والاختلاط مع أفراد المجتمع بعد أن قضى في المستشفى ما يقارب على العقدين تقريبًا.

وهذا النزيل كان يعرف باسم السيد جورج، وهو ما كان ملقب في تلك المدينة من قبل دخوله للمستشفى بلقب المفجر المجنون؛ وقد كان السبب في إطلاق ذلك اللقب عليه هو أنه كان شخص يثير الرعب بين أهالي مدينة نيويورك لأكثر من خمسة عشر عاماً في سعيه من أجل تحقيق العدالة، حيث أنه وصف بأنه سعي مجنون.

وما حصل قبل هذين العقدين هو أن جورج كان قد ولد في الثاني من شهر نوفمبر من 1903م في إحدى الولايات التي تعرف باسم ولاية كونيتيكت التابعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانا والداه قد هاجرا من مدينة ليتوانيا، وحينما كان جورج في نهاية العشرينات من عمره تعرض إلى حادث صناعي، فقد انفجرت غلاية في موقع عمله، والذي كان في واحدة من الشركات التي تُعرف بالشركة المتحدة الصناعية للضوء والطاقة، وتلك الشركة كانت من الشركات التابعة لشركة إديسون الموحدة.

وفي ذلك الحادث جراء استنشاقه إلى كمية من الغازات التي كانت منبعثة في الجو في موقع الانفجار تم تعطيله عن عمله لمدة تشارف على الستة والعشرون أسبوع، وبعد مرور تلك الفترة تم الاستغناء عنه وإنهاء خدمته في شركة إديسون المحدودة بشكل نهائي، وعلى الرغم من أن السيد جورج قد قدم طلب من أجل الحصول على تعويض؛ وذلك لأن الحادث تسبب في إصابته بأحد أنواع الأمراض الذي يعرف باسم مرض السل، لكن قوبل طلبه بالرفض القطعي من حيث الشكل؛ وقد برر ذلك بأنه انتظر فترة طويلة قبل التقدم بطلبه، وعلى إثر ذلك قدم ثلاثة استئنافات على الطلب، لكن دون جدوى فقد تم رفضهم جميعًا.

ومنذ ذلك الوقت وقد أصبح السيد جورج في عداد العاطلين عن العمل، وحينها كان يقيم مع أشقائه وهو المسؤول عنهم، مما جعله يشعر بالكراهية الشديدة ضد تلك الشركة الموحدة، ومنذ ذلك اليوم وقد قرر الانتقام منها على طريقته الخاصة، فذات يوم عثرت عناصر الشرطة على قنبلة تم صنعها من قِبل جورج وقد كانت تلك القنبلة موضوعة فوق حافة إحدى النوافذ التابعة لواحد من المباني لتلك الشركة في مدينة نيويورك، وقد كان حدث ذلك يوم السادس عشر من شهر نوفمبر من عام 1940م، وتلك القنبلة لم تنفجر، كما عثر بجانبها على ورقة مكتوب عليها ملاحظة تقول: “إديسون المحدودة المحتالة هذه من أجلك”.

وفي تلك اللحظة اعتقدت عناصر الشرطة أن واضع تلك الملاحظة لم يقصد على الاطلاق أن تنفجر تلك القنبلة، وبعد إجراء العديد من التحريات والتحقيقات مع العمال الساخطين وغيرهم من المشتبه بهم والمحتملين تم حفظ القضية من قبل الشرطة ضد مجهول، ولكن بعد مرور سنة تقريبًا تم العثور على قنبلة أخرى غير منفجرة كذلك في أحد الشوارع الذي يعرف باسم شارع التاسعة عشر، وهو ما كان على بعد بضعة مبان من المكتب الرئيسي للشركة المحدودة الواقع في مدينة إريفين بلازا، وقد كانت تلك القنبلة مشابهة كثيراً في التركيب من القنبلة الأولى، ولكن في هذه المرة تم وضعها في جورب قديم دون ترك أي ملاحظات إلى جانبها.

وفي يوم من الأيام بعد أن حدث هجوم من قِبل دولة اليابان على الولايات المتحدة الأمريكية، واشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، قام جورج بإرسال مذكرة للمركز الشرطة أخبرهم بها أنه سوف يتوقف عن القيام بأنشطته خلال فترة الحرب، ولكن بعد الانتهاء من الحرب سوف أقدم الشركة المحدودة من أجل المحاكمة نتيجة لأفعالهم الغادرة، ووقع في اسفل الرسالة بحرفي F.P.

وفي ذلك الوقت على الرغم من أن رسائل السيد جورج والذي يتخللها التهديد والتوعد قد أزعجت الشركة ومركز الشرطة، إلا أنه لم يقوم بوضع أي قنابل أخرى، إلا بعد الانتهاء من الحرب، إذ بعد أن انتهت الجرب بين الحين والآخر كان يتم وضع القنابل في أماكن مختلفة، فقد تم العثور على واحدة في التاسع والعشرون من شهر مارس من عام 1950م داخل واحدة من المحطات التي تعرف باسم محطة جراند سنترال، وفي الشهر الذي تلاه انفجرت واحدة من تلك القنابل في كشك مخصص للهواتف داخل مكتبة نيويورك العامة، ثم بعد ذلك تلتها قنبلة أخرى في محطة جراند سنترال مرة أخرى من جديد.

ومع مرور ما يقارب على الخمسة أعوام قام السيد جورج بزرع أكثر من ثلاثون قنبلة في كافة ارجاء مدينة نيويورك في مواقع مختلفة مثل المحطات والمسارح وقاعات الراديو والموسيقى ومجموعة من أكشاك الهواتف المختلفة، وأكثر من نصف تلك القنابل قد انفجر مما تسبب في إحداث أكثر من عشرة إصابات لكن دون وقوع أي وفيات.

وبعد ما يقارب على الخمسة عشر عاماً من التحقيقات أصاب الإحباط مفتش الشرطة والذي يدعى هوارد فيني إلى أن توصل إلى الطبيب النفسي الذي يدعى جيمس أ.بروسسل وهو متخصص في أعمال التنميط في مجال مكافحة التجسس وعمل بجد أثناء الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، وفي ذلك الوقت ساعد الطبيب في وضع وصف مقترح للمفجر، إذ وصفه بأنه على الأغلب أن يكون من أصول شرقية أوروبية وأن عمره يتراوح ما بين الأربعين والخمسين سنة، وأنه من الأشخاص الذين يقيمون مع أقاربه، كما وصفه بأنه من الواضح أنه ذو بناء رياضي، وأنه مصاب بأحد أنواع الأمراض الذي يعرف باسم مرض جنون العظمة، كما توقع أن يكون المفجر يرتدي بذلة مزدوجة الأزرار.

وفي ذلك الوقت نشرت عناصر الشرطة هذا الملف على نطاق واسع في مختلف أرجاء المدينة، كما طلبت من الشركة أن تبحث بين ملفاتها عن أحد الموظفين السابقين من الذين تتطابق مواصفاتهم مع هذا الوصف، وفي النهاية تمكنت الشركة المحدودة أن التوصل بين ملفات الموظفين الساخطين إلى شخص يتوافق مع الوصف.

وأخيراً توجهت عناصر الشرطة نحو منزل السيد جورج في ولاية كونتيكيت؛ من أجل استجوابه، لكن ما أدهشهم أنه اعترف على الفور بكامل تفاصيل القنابل التي قام بزراعتها، كما كانت أوصافه تتطابق تماماً مع الوصف الذي وضعه الطبيب باستثناء أنه لم يكن يرتدي بدلة مزدوجة الأزرار، وحينما قررت الشرطة اصطحابه، طلب منهم أن يقوم بتبديل ثيابه في البداية، وقام وقتها بارتداء بذلة بصفين من الأزرار، وبعد مضي أربعة أشهر أعلن القاضي أنه مصاب بمرض الفصام وجنون العظمة وأنه مجنون قانونيًا.

المصدر: كتاب من روائع الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: