ما هي المرحلة المبكرة في تطور الجغرافيا الطبيعية؟

اقرأ في هذا المقال


المرحلة المبكرة في تطور الجغرافيا الطبيعية:

يمتد تاريخ الجغرافيا كحقل مَعرفي عبر قرون عديدة، حيث انعكست الجغرافيا في أقدم ما سجَّله الإنسان من ملاحظات حول العالم الطبيعي الذي يحيط به. وقد شكَّل الاستكشاف منذ فجر التاريخ المصدر الأهم في توسيع معرفة الإنسان بالعالم بوضع خرائط لأماكن وأشكال تمَّت ملاحظتها أثناء رحلاته. كما جاءت الشواهد على ذلك من ما خلفته كل من الحضارات الصينية، المصرية، الفينيقية، الإغريقية.
وقد انبثقت الجغرافيا في العالم القديم من ثلاثة مصادر، هي الاستكشاف وما نتج عنه من جمع لحقائق حول سطح الأرض، ثم رسم خرائط للمناطق المعروفة، أخيراً تدبر أمر المعلومات التي جُمعت، كان هذا الأخير محتكراً من قبل اليونانيون. كما أن هؤلاء العلماء لم يكتفوا بالتعريف بشكل الأرض، حجمها، أبعادها، بل أنجزوا تمثيلاً عقلانياً لسطحها بالاستعانة بقياسات فلكية واستخدام خطوط الطول والعرض. ويُعد الإغريق أول من تناول الجغرافيا باعتبارها أكثر من مجرد رسم للخرائط، فكانوا مهتمون أيضاً بمعرفة الطبيعة المكانية للأشكال البشرية والطبيعية على سطح الأرض.
كما قام اليونانيون أيضاً بتأسيس فروع علم الجغرافيا المختلفة، خاصة الجغرافيا الرياضية التي قام بتأسيس قواعدها العالم طاليس بعد ذلك بأنكسمندر ثم أرسطو لتبرز الجغرافيا بفضل إراتوسثينس، كما عرَّفوا كروية الأرض، كما حسبوا خطوط الطول والعرض وأعدوا أيضاً خرائط للعالم كله. أمّا الرومان فقد وظفوا المعرفة الجغرافية الإغريقية في توسيع إمبراطوريتهم، بعد أن أضافوا إليها الكثير.
ففي كتابه جغرافيا (وضع سترابو) ما اكتسبه من خبرة وما كتبه من ملاحظات جغرافية خلال رحلاته المتواصله. كما أن سترابو قام بشرح الجغرافية الثقافية للمجتمعات البشرية في العالم الذي يعيش فيه، كما اقترح أيضاً أن الجغرافيا تهدف إلى وصف الأجزاء المعروفة من العالم المسكون من أجل معرفة أهمية أقاليمه، تحديد أوجه التباين بينها. كما كان لبطليموس خلال القرن الثاني الميلادي ذكر العديد من الإسهامات الجغرافية المهمة، ففي كتابه (دليل الجغرافيا) جمع ولخَّص معظم المعلومات الجغرافية الإغريقية والرومانية، كما ابتكر طرقاً لإسقاط سطح الأرض على خريطة قام بحساب مواقع الإحداثيات لثمانية آلاف مكان على الأرض، إلى جانب تطوير المفاهيم الجغرافية لخطوط الطول والعرض.
ولم تحظَ الجغرافيا بكثير من التطور بعد العهد الروماني. أمّا في الشرق الأوسط فقد حمل العرب لواء ترجمة الأعمال الجغرافية للأغريق والرومان إلي جانب اكتشاف جنوب غرب أسيا وإفريقيا، قد برزت بعض الأسماء المهمة مثل الإدريسي الذي عُرف بمهارته في صنع الخرائط إلى جانب ما كتبه في الجغرافيا الوصفية. كما اشتهر ابن بطوطة وابن خلدون بما كتباه حول رحلاتهما المتعددة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ورغم الطبيعة الوصفية للجغرافيا العربية، إلا أن مؤلفاتها لا تخلو من التطرق إلى موضوعات في الجغرافيا الطبيعية، حيث تعكس الكتابات في هذا الميدان في مجملها تأثر الجغرافيين المسلمين بالآراء اليونانية والرومانية، كما كانت ذات صفة وصفية في مجال علم المُناخ ولم تكن تعليلية، أمّا في علم الجيومورفولوجيا فقد قام الجغرافيون المسلمون بشكل بعلاج الجوانب النظرية بشكل عرضي.
ولم يقف المسلمون عند حدود المفاهيم الإغريقية بل تم تطويرها بالإضافات الكثيرة في مجال الجغرافيا الطبيعية. ففي مجال الجغرافيا المُناخية كتب المسعودي في العوامل المؤثرة في مناخ الإقليم، بالإضافة إلى تقديم وصف دقيق للرياح الموسمية، كما قام البيروني بشكل تفصيلي بشرح نظام سقوط الأمطار الموسمية وأثر امتداد جبال الهملايا في غزارتها. كما كتب اخوان الصفا العديد من الرسائل منها كان عن تكون الغيوم والأمطار والعلاقة بين ميل الأشعة الشمسية ودرجة الحرارة ودور سطح الأرض في تسخين الهواء المحيط بالأرض، جميع هذه الآراء والتفسيرات لا تختلف كثيراً عن التفسيرات الحديثة.
كما أنَّ في علم الجيومورفولوجيا فقد قام كل من البيروني، اخوان الصفا، المسعودي بالتطرق إلى عدد من الموضوعات مثل نشأة السهول الرسوبية البحرية، توزيع اليابس، الماء عبر العصور، تكون الجبال الالتوائية. أمّا كتابات إبن سينا فقد اشتملت على ملاحظات جيومورفولوجية هامة، خاصة تلك التي تناول فيها عوامل تكون الجبال، حيث قسَّم الجبال من حيث النشأة إلى نوعين هما: جبال تكونت بسبب عوامل التعرية وأخرى نشأت بفعل حركات الرفع، هو تصنيف لا يختلف كثيراً عن التصنيف الحديث للجبال. كما أكَّد ابن سينا على بطء عمليات النحت وأثارها الطويلة الأمد، بهذا يكون إبن سينا قد تحدث بأفكار تناقض الآراء الخاطئة، التي سادت حتى القرن السابع عشر والتي تؤمن بمبدأ الطفرة أو النشأة والتغير السريع للتضاريس.

المصدر: محمود محمد/أسس الجغرافيا الطبيعية/1997.حسن غانم ابو سمور/المدخل الى علم الجغرافيا الطبيعية/2008.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.


شارك المقالة: