التركيب اللولبي المزدوج للحمض النووي

اقرأ في هذا المقال


اكتشاف التركيب الهيكلي للحمض النووي:

تم التعرف على الحمض النووي لأول مرة في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر بواسطة الكيميائي السويسري فريدريش ميشر، إذ بعد ذلك في العقود التي تلت اكتشاف ميشر أجرى علماء آخرون سلسلة من الجهود البحثية التي كشفت عن تفاصيل إضافية حول جزيء الحمض النووي، بما في ذلك مكوناته الكيميائية الأساسية والطرق التي انضموا بها معا، حيث بدون الأساس العلمي الذي قدمه هؤلاء الرواد ربما لم يتوصل واتسون وكريك أبدًا إلى استنتاجهما أن جزيء الحمض النووي موجود في شكل حلزون مزدوج ثلاثي الأبعاد.

حدد فريدريش ميشر لأول مرة ما أسماه النوكلين داخل نوى خلايا الدم البيضاء البشرية عام 1869، حيث كان هذا العام مهم في مجال البحث الجيني، وتم تغيير مصطلح النوكلين لاحقًا إلى (nucleic acid) وفي النهاية إلى (deoxyribonucleic acid) أو (DNA).

تمثلت خطة ميشر في عزل وتوصيف مكونات بروتين الكريات البيض بدلا من النيوكلين، وهكذا قام ميشر بعمل ما يلزم لتجهيز عيادة جراحية محلية لإرسال ضمادات مريضة مغلفة بالصديد له بمجرد أن تلقى الضمادات خطط لغسلها، وتصفية الكريات البيض واستخراج وتحديد البروتينات المختلفة داخل خلايا الدم البيضاء.

عثر ميشر على مادة من نوى الخلية لها خصائص كيميائية تختلف عن أي بروتين، بما في ذلك محتوى الفوسفور العالي ومقاومة تحلل البروتين، أدرك ميشر أنه اكتشف مادة جديدة مستشعرا بأهمية النتائج التي توصل إليها كتب ميشر “يبدو لي أنه من المحتمل أن تظهر عائلة كاملة من هذه المواد المحتوية على الفوسفور المتفاوتة بشكل طفيف، كمجموعة من النوكلينات مكافئة للبروتينات”.

بنية الحمض النووي:

واصل علماء آخرون التحقيق في الطبيعة الكيميائية للجزيء المعروف سابقًا باسم (nuclein) وكان أحد هؤلاء العلماء الآخرين عالم الكيمياء الحيوية الروسي (Phoebus Levene) كان ليفين طبيبًا تحول إلى كيميائي وكان باحثًا غزير الإنتاج، حيث نشر أكثر من 700 ورقة بحثية عن كيمياء الجزيئات البيولوجية على مدار حياته المهنية.

على سبيل المثال كان أول من اكتشف ترتيب المكونات الرئيسية الثلاثة لنيوكليوتيد واحد قاعدة فوسفات سكر، وأول من اكتشف عنصر الكربوهيدرات في الحمض النووي الريبي، وأول من حدد بشكل صحيح الطريقة التي يتم بها تجميع جزيئات الحمض النووي الريبي والحمض النووي معًا.

خلال السنوات الأولى من حياة ليفين المهنية لم يعرف ليفين ولا أي عالم آخر في ذلك الوقت كيف تم ترتيب مكونات النوكليوتيدات الفردية للحمض النووي في الفضاء، إذ كان اكتشاف العمود الفقري للسكر والفوسفات في جزيء الحمض النووي لا يزال بعيد المنال.

يعني العدد الكبير من المجموعات الجزيئية المتاحة للربط بواسطة كل مكون من مكونات النيوكليوتيدات أن هناك العديد من الطرق البديلة التي يمكن أن تتحد بها المكونات، حيث طرح العديد من العلماء اقتراحات حول كيفية حدوث ذلك، ولكن نموذج ليفين متعدد النيوكليوتيد هو الذي ثبت أنه النموذج الصحيح.

استنادًا إلى سنوات من العمل باستخدام التحليل المائي لتفكيك وتحليل الأحماض النووية للخميرة اقترح ليفين أن الأحماض النووية تتكون من سلسلة من النيوكليوتيدات وأن كل نوكليوتيد بدوره يتكون من قاعدة واحدة فقط من أربع قواعد تحتوي على النيتروجين، وهو جزيء سكر ومجموعة الفوسفات.

قدم ليفين اقتراحه الأولي في عام 1919 مشككًا في الاقتراحات الأخرى التي تم طرحها حول بنية الأحماض النووية، لكن في الواقع سرعان ما ظهرت العديد من الحقائق الجديدة والكثير من الأدلة الجديدة وتسببت في تغييرات في اقتراح ليفين.

تضمن أحد الاكتشافات الرئيسية خلال هذه الفترة الطريقة التي يتم بها ترتيب النيوكليوتيدات، إذ اقترح ليفين ما أسماه بنية رباعي النوكليوتيدات، حيث كانت النيوكليوتيدات مرتبطة دائمًا بنفس الترتيب أي (G-C-T-A-G-C-T-A) وما إلى ذلك، ومع ذلك أدرك العلماء في نهاية المطاف أن هيكل رباعي النوكليوتيدات الذي اقترحه ليفين كان مفرطًا في التبسيط وأن ترتيب النيوكليوتيدات على امتداد امتداد الحمض النووي أو (RNA) في الواقع متغير للغاية.

على الرغم من هذا الإدراك كان هيكل ليفين المقترح متعدد النوكليوتيد دقيقًا في كثير من النواحي، على سبيل المثال يعرف الآن أن الحمض النووي يتكون في الواقع من سلسلة من النيوكليوتيدات وأن كل نوكليوتيد له ثلاثة مكونات مجموعة الفوسفات، إما ريبوز في حالة الحمض النووي الريبي أو سكر ديوكسي ريبوز في حالة الحمض النووي، وقاعدة واحدة تحتوي على النيتروجين.

أيضًا أن هناك فئتين أساسيتين من القواعد النيتروجينية: البيورينات الأدينين (A) والجوانين (G)، ولكل منهما حلقتان منصهرتان والبيريميدين السيتوزين (C) والثايمين (T) واليوراسيل (U)، ولكل منها حلقة واحدة علاوة على ذلك، من المقبول الآن على نطاق واسع أن الحمض النووي الريبي يحتوي فقط على A و G و C و U (بدون T) بينما يحتوي الحمض النووي فقط على A وG وC وT (بدون U).

قاعدة (Chargaff):

شرع (Chargaff) لمعرفة ما إذا كانت هناك أي اختلافات في الحمض النووي بين الأنواع المختلفة، بعد تطوير طريقة كروماتوغرافيا ورقية جديدة لفصل وتحديد كميات صغيرة من المواد العضوية، حيث توصل (Chargaff) إلى استنتاجين رئيسيين؛ 

  • أولاً أشار إلى أن التركيب النكليوتيد للحمض النووي يختلف باختلاف الأنواع، وبمعنى آخر لا تتكرر نفس النيوكليوتيدات بنفس الترتيب كما اقترح ليفين.
  • ثانيًا توصل (Chargaff) إلى أن كل الحمض النووي تقريبًا بغض النظر عن الكائن أو نوع الأنسجة الذي يأتي منه يحتفظ بخصائص معينة حتى مع اختلاف تركيبته.

على وجه الخصوص فإن كمية الأدينين (A) عادة ما تكون مماثلة لكمية الثايمين (T) وكمية الجوانين (G) عادة ما تقارب كمية السيتوزين (C)، وبمعنى آخر عادةً ما تكون الكمية الإجمالية من البيورينات (A + G) والكمية الإجمالية للبيريميدين (C + T) متساوية تقريبًا.

الهيكل الحلزوني المزدوج:

بالإضافة الى بعض أعمال علم البلورات بالأشعة السينية ذات الأهمية الحاسمة لروزاليند فرانكلين وموريس ويلكنز، ومعرفة قاعدة أن (A = T و C = G) ساهم  ذلك في اشتقاق واتسون وكريك للنموذج الحلزوني المزدوج ثلاثي الأبعاد لهيكل الحمض النووي.

تم معرفة أن القواعد التكميلية تتلائم معًا تمامًا أي ( A مع T وC مع G) مع كل زوج متماسك بواسطة روابط هيدروجينية، كذلك الهيكل يعكس أيضًا قاعدة (Chargaff)، وكانت ميزات النموذج الحلزوني المزدوج كما يلي:

  • اللولب المزدوج للحمض النووي هو مضاد للتوازي مما يعني أن الطرف 5 ‘من خيط واحد يقترن بالنهاية 3’ من الشريط التكميلي والعكس صحيح.
  • لا يقتصر الأمر على توصيل أزواج قاعدة الحمض النووي عبر الروابط الهيدروجينية فحسب، بل إن الحواف الخارجية للقواعد المحتوية على النيتروجين مكشوفة ومتاحة للرابط الهيدروجيني المحتمل أيضًا.

المصدر: كتاب علم الخلية ايمن الشربينيكتاب الهندسة الوراثية أحمد راضي أبو عربكتاب البصمة الوراثية د. عمر بن محمد السبيلكتاب الخلية مجموعة مؤلفين


شارك المقالة: