تفسير الآية:
﴿مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [فاطر ٢]
تتحدث الآية إلى معنى بليغ من معاني قدرة الله تعالى التي ختم الله بها الآية الأولى، (إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ) وحين تستقر هذه الصورة في قلب المؤمن فإنه سيحدث في قلبه تغيرًا كبيرًا في تصوراته ومشاعره اتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جمعاء.
إنّها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض، وتصله بقوة الله، وتئيسه من مضنة كل رحمة في السماوات والأرض، وتصله برحمه الله، وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض، وتشرع له طريقه إلى الله.
ورحمة الله – التي نصّت عليها الآيات الكريمة:( ایَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ) تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد.
ورحمة الله تتمثل في الممنوع، تمثلها في الممنوع ويجدها من يفتحها الله له في كل شئ، وفي كل وضع وحال وفي كل مكان يجدها في نفسه، وفي مشاعره ويجدها فيما حوله وحيثما كان وكيفما كان. وما من نعمة – يمسك الله معها رحمته – تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من منحة – تحفّه رحمة الله – حتى تكون هي بذاتها نعمة!
ينام الإنسان على الشوك – مع رحمة الله – فإذا هو مهاد وينام على الحرير – وقد أمسكت الرّحمة – فإذا هو شوك القتاد ! ويعالج أعسر الأمور – برحمة الله – فإذا هي مشقة وعسر، ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هو في أمن وسلام، ويعبر بدونها المناهج والمسالك، فإذا هي مهلكة وبوار! ولا ضيق مع رحمة الله ! إنّما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب، أو في شعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساكها ولو تقلب الأنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرخاء، فمن داخل النفس- برحمة الله- تتفجر ينابيع السعادة والرّضا والطمنأنينة، ومكن داخل النفس – مع إمساكها- تدبُ عقارب القلق والتعب والنّصب والكد والمعاناة.
يبسط الله الرزق – مع رحمته – فإذا هو متاعٌ طيبٌ ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا وزادٌ إلى الآخرة، ويمُسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون التلف بإفراط أو استهتار.