الاتجاه الظاهراتي عند ماكس شيلر في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الاتجاه الظاهراتي عند ماكس شيلر في علم الاجتماع:

كان ماكس شيلر من أشد المعجبين بالطبقة الارستقراطية التي اعتبر أعضاؤها هم القادة الطبيعيون للمجتمع، وكان يزدري الطبقة الوسطى ويعتبرها فريسة ما تعانيه من حقد وبخاصة القطاع الأدنى فيها، وكان يمجد الصفوة والإقطاعيين والعسكرين وروح الفروسية ويزدري الفردية والنفعية والعقل المطلق.

وكان يهدف من الناحية السياسية إلى توحيد ألمانيا ضد عقلانية فرنسا ونفعية إنجلترا، ولذلك فإنه كان شديد الحماس ﻹعداد ألمانيا ضد عقلانية فرنسا ونفعية إنجلترا، ولذلك فإنه كان شديد الحماس ﻹعداد ألمانيا عسكرياً، لتحقيق ذلك الهدف عن طريق الحرب.

وكان شيلر يهدف أيضاً إلى تحطيم العلم بوصفه معياراً لكل المعرفة الحقيقي، ورأى على عكس كونت أن العالم لم يحل أبداً محل الفيلسوف والقديس وعارض شلر الآراء الماركسية ورأى أن علاقات الإنتاج ليست هي المسؤولة عن تحقيق الأفكار، ولكن مصالح الصفوة هي التي تفعل ذلك.

ويمكن القول أن شيلر قد أوقف حياته على مهاجمة الوضعية، ورفض تقديس العلم الذي اعتبره الخاصية المميزة للمجتمع الغربي واعتبره مسؤولاً عن صراعات الحياة الحديثة وما يوجد بها من أمراض اجتماعية.

وقد رأى ماكس شيلر أن وظيفة علم الاجتماع الأساسية يجب أن تكون حل الصراعات الأيديولوجية السائدة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك عن طريق مساعدة رجال السياسة على إدراك أوجه القصور في وجهات نظرهم وآرائهم.

لقد كان شيلر يتخذ موقف المعارضة في البرجوازية ومن الرأسمالية، ولكنه على عكس الماركسيين كان يرى البديل في مجتمع تحكمه الصفوة، يعرف كل فرد مكانه ويوضع فيه حق الحكم بين أيدي الأصلح، لذلك وراثياً اجتماعياً وعقلياً أي الارستقراطية، أي العودة بالمجتمع إلى الصورة الإقطاعية.

وقد اعتمد فكر ماكس شيلر بصفة أساسية على التمييز الظاهراتي بين مجالي القيم المثالية أو الجوهر والوقائع الوجودية، فالوجود الفعلي يتضمن في العلاقات بين الوقائع، تلك العلاقات التي تتغير بتغير الزمن، أما القيم فهي تمثل مجالاً آخر هو المعاني المستلهمة والصادقة دائماً دون اعتبار الزمان، وهذا التمييز الميتافيزيقي بين الوجود الفعلي والقيم المثالية، هو أساس التمييز بين علم الاجتماع الثقافي من جهة، وعلم اجتماع العوامل الواقعية من جهة أخرى.

فالمادة الثقافية مثالية وتوجد في مجال الأفكار والقيم، أما العوامل الواقعية فهي جزء من الأحداث المتغيرة في نطاق الزمان، والمادة الثقافية يمكن تعريفها من خلال الأهداف المثالية أو النوايا، أما المادة الواقعية فإنها تشكل بناء من النوازع مثل الجنس والجوع واشتهاء السلطة.

ومن الخطأ كما يرى شيلر افتراض أن العوامل الواقعية مثل العنصر أو القوة السياسية أو الإنتاج الاقتصادي تحدد بشكل مطلق المعاني، ومن الخطأ أيضاً افتراض أن الأحداث الخارجية للخبرة تتمثل في تكشف الأفكار الروحية والشخصية، فالأفكار لا تصبح شيئاً ملموساً له وجود واقعي ما لم تترابط سوياً بشكل ما في صورة ميول جمعية ويتم تضمينها في أبنية نظمية.

وهدف علم الاجتماع الثقافي هو تفهم ما هو مثالي، وهو يعلّم الدين والفلسفة والفكر العلمي والفن، أما علم الاجتماع الأمبيريقي فهو يدرس الدوافع أو القوى التي تحدث تغيرات في الواقع، وهناك صلة انتقائية بين الأساس الحقيقي للمجتمع وبين ما هو مثالي.

فالعوامل الواقعية أن الحقيقية قد تشجع أو لا تشجع على استكشاف القيم المثالية، وعلى هذا فإن المهمة الأساسية يجب أن تكون اكتشاف الأساليب التي تتفاعل بها العوامل الحقيقية والعوامل المثالية، وهناك مراحل متتابعة لتكامل هذين المجالين الواقعي والمثالي ابتداء من سيادة روابط الدم والقرابة إلى التأثر بالبناء السياسي حتى التأثر بالحقائق الاقتصادية، وقد قدم شيلر هذه المراحل الثلاث كبديل عن مراحل كونت اللاهوتية والميتافيزيقية والوضعية.

ورأى شيلر أن العقل يؤثر على الأحداث عن طريق توجيه النوازع الفطرية، وهذا التفاعل بين الأحداث الحيوية والمعيارية يتم من خلال وسيط معين يتمثل في الصفوة، وهي عبارة عن عدد قليل من الأشخاص يوجهون عملية امتزاج الأحداث المثالية بالأحداث والواقعية، فهم الذين يدركون الجوهر الظاهراتي، وتنتقل آراء الصفوة النفاذة من خلال المحاكاة بين الجماهير، وعلى ذلك فإن التاريخ ليس سوى نتاج لنسق حوافز قادة المجتمع وما يرتبط به من روح جماعية.

ويختلف علم الاجتماع الثقافي عن علم الاجتماع الواقعي أو الأمبيريقي في أنه يتناول العوامل المثالية المستمدة من الأهداف والمطامع، بدلاً من تناول العوامل الواقعية التي تعتمد على الدوافع، فالعوامل المثالية لها تأثير على التطور الثقافي طالما ترتكز على المصالح وتتجسد أشكال نظمية.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: