العادات الاجتماعية ونشأتها

اقرأ في هذا المقال


العادات الاجتماعية ونشأتها:

إن للمجتمع حركة مستمرة مع الأيام والتقاليد، كما أن هذه الحركه هي التي تفرز مجموعة من الظواهر الاجتماعة المختلفة، ومن بين هذه الظواهر المختلفة، ظاهرة العادات والتقاليد، إذّ تعتبر العادات والتقاليد الإرث الـثقافي العام لكافة المجتمعات.

من خلال ظاهرة العادات والتقاليد يستطيع الفرد المحافظة على تواصله واستمراره، حيث تتوارث هذه التقاليد مختلف الأجيال، إذّ تكون كرمز من خلالها يتمكنوا من الاتصال على مرّ الزمان والعصور، وهذه الظواهر تعبر عــن هويتهـــم الجماعية، ولا بد من معرفة أن هذه التقاليد والعادات تشكل في جوهر مكانتها عامل أساسي لتوحد كافة المجتمعات حول مبدأ المحافظة على التراث والاتصال بالماضي.

لا بد أن يرتبط مفهوم العـادات والتـقاليد بالماضي القديم للأجداد، لذلك من الممكــن أن نتحدث عن أي مجتمع ما، دون الحديث عن عاداته وتقاليده وأعرافه التي مارسها الأفراد خاصة والعاملين عامـــة، كعناصر فاعــلة، وهي تعتبر أحــد التركيبات الأساسية التًي يقوم عليها أي مجتمع إنساني.

لا بد من معرفة أن العائلة هي السبب الرئيسي الذي يعــمل على حركة المجتمع ضمن عاداته وتقاليده، ما دامت تعتبر العائلة هي القاعدة المنتجة للمجتـمع، أي أنها بمثابة الـروح المادية والمعنوية لها، حيث أن العائلة مرتبطة بالمجتمع ومـن بين ما تبينه حركة الأفراد والعائلة داخل المجتمع وخارجه.

العادات والتقاليد كممارسات ناتجة عن الوجدان الشعــبي لتلبية كافة رغباته المعـيشية، لذلك هي عبارة عن قائمة تتحرك بحركات أفرادها الثقافية والاجتماعية، إذ تـــحاول بالعمل على أن تحافظ عليها، مع العمل على مداومة الذاكرة الجماعية، ذلك مــن خلال إحيائها بين كل فترة و مناسـبة معينة، إلا أنها تعمل على ترجمة نمط تفكير وفلسفة شعبية وتدابير مادية ومعنوية مــــن أجل مــــجابهة متطلبات الحياة.

قد تظهر عملية نشاة العادات والتقايلد جلياً بشكل رسمي على مستــوى الحياة الاجتماعية، مع وجــود رباط روحــي يعمل على ربط حركة العائلة بعاداتها و تقاليدها على مرً الزمان، إذ تشكل العائلة النواة الأولـى للمجتمع ذلك، إلا أنها التي يقوم أفرادها على تنمية ثقافة المجتمع، وتنمية جميع معاييره وقيمه، وقد تم اعتبار الأسرة منذ الــقدم نظاماً اجتماعياً مصيرياً، من خلالها يتم تــوجيه سلوك الأفراد وتنظيمه داخلها ضمن إطار محـدد.

حيث تعتمد على احترام معاييرها وقيمها وعاداتها وتقاليدها، وقد شكل هذا الرباط الروحي بين العائلة فـي حركتــها وبين عاداتها ملجأ يعود إليه الأفراد ليجدوا فيه الأمن والاستقرار والاطمئنان، وذلك لقيامهـم بها وتبينها؛ خوفاً من الارتباك الثقافي الذي يعرفه أفراد المجتمعات؛ ذلك نتيجة الحداثة، وتطبيقاً للدستور الشفهي للمجتمع وأحكامه هذا مــن جهة، ومــــن جهة أخـرى الهروب من سخط واستهجان العائلة في حال الخروج عـــن قواعـــد المجتمع وأحكامه.

إلا إن العادات والتقاليد ما هي إلا عناصر مـــن الدستور الشفــهي الـــذي تصوّبه الثـقافة الشعبية إلى مجتمع، وما هي إلا وسيلة سيعاملها المجتمع كـقوة ضابطة لسلوكيات أفراده، والتي يستخدمها الفرد كـــوسيلة لحـــماية ذاتــــه وهـــويته الثقافية والاجتماعية، والتي تهزها هزات عنيفة مـــن داخل المجتمع وخارجه نتيجة التغير الاجتــــماعي والثقافي المستمر، وما تحـدثه العــــولمة والحداثة.

كيف تسهم العادات الاجتماعية وتقاليد الهوية الفردية والاجتماعية في نشأة المجتمع؟

وهنا تظهر كيف تسهم العادات الاجتماعية وتقاليد الهوية الفردية والاجتماعية في نشأة المجتمع، التي تسعى العائلة جاهدة للحفاظ عليها، وفي إطار هذه المكانة التي تحتلها العائلة، تبقى العادات الاجتماعية والتـقاليد أحد العناصر الأساسية التي تعـــمل العابئــــلة جاهـــدة للحـفاظ علٌها وحماٌتها ، بإعتبارها وسيلة للحفاظ عـــلى ثراتها الثقافي وإتباث هـويتها الاجتماعية، كما أنها تعتبرها ساتـــراً لشخصيتها ورمــــزاً مهماً في خوض المــــعارك والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها العائلة، أمام الممارسات الجديدة القائمة على التـضاد والتناقض، وبما أن العادات والتقاليد هي أحد المنتجات الثقافية التي تفرزها فعاليات العائلة وحركتها الدائمة داخل المجتمع تعمل على تقييد الأفراد باحترامها والتقيد بها.

وتــمارس عليهم سلطة ورقيب اجتـماعي، إذ مـن يعارض هذه السلطة أو يخرج عـــن ممارسة هذه العادات يُعاقــب، وما هـــــذا الحرص من العائلة على قيام أفرادها بعادات وتقاليد الأجداد التي تجبر الجــماعة في جعل أعمالها مشتركة إلا لحفظ وحــــدة المجتمع، لذلك فالعائلة تمـــارس سلطة روحية واجتماعية على أفرادها فهي بمثابة الضمير الجـــمعي الذي يجــب على الأفراد الخضوع له.

سلطة الضمير الجمعي تجعل الأفراد يخضعــون لها:

فسلطة الضمير الجمعي تجعل الأفراد يخضعــون لها؛ ذلك لأن العائلة هي التي توجه سلوك الأفراد وطريقة حياتهـم، وهذا ما عبر عـنه دور كايم عندما رأى أن الجماعة تمارس قوة على الأفراد و تسيطر عليهـــم، حيث يخضعـــون لها كامل الخضوع بحيث كل مجتمع يتضمن سلطة جماعية خلقية على الفرد.

وذلك عندمـا أكدّ أولوية المجتمع على الفـــرد ويظهر حسبه ذلك في الضمير الجمعي الذي يسيطرعلى الأفراد، حيث وجد بالنسبة إليه في كل مجتمع وعي جمعي يتشكل مـــن التمثيلات الجماعية والمثل والقيم و المشاعر المشتركة بين كل أفراد ذلك المجتمع، فنتيجة المجتمع قد تكون الوعي الجمعي، الذي تمارس مــن التقاليد الجماعية سلطـــاتها على الأفراد بطريقة غير مباشرة من خلال القيم والعادات و التقاليد لهذه السلطة، حيث أنها سلطة جماعية خلقية، إذّ أن المجتمع دائم الحاجة إلى ممارسات متعددة، يقوم بها أفراده لتنظٌم أحوالهم والتعبي عن أفكارهم و مشاعرهـم، فيكررون القيام بها كي تترسخ جذورها في المجــتمع لتصبح عادات.

حيث يصبــح لها دور فـي الضبط الاجتماعي والتنظيم ، وتتدخــل كموجود في سائر نواحي الحياة الاجتماعية، فتمارس بذلك سلطة رمـــزية على كافة أفراد المجتمع، ويخضعون لها فهي بمثابة دستور دنيوي اجتماعي ينبغي التـقيد به و إتباع أحكامه، لأنها تضمن الإنتماء إلى الجماعة بإتباعها، فهي بمثابة المحــــرك الأساسي للمجتمع، وعليه فهي تعــبر عـن حالات معنوية ذات عـــلاقة روحية عميقة الجذور، بنفسيات الناس و قيمهـــم الثقافية والاجتماعية ،فهي ساكنة في ضمائرهم ومنعكسة في أساليب سلوكهم.

وبالتالي فهي تترجـــم بوضوح عقليات الناس و أفكارهم مما يجعلها تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن هنا فإن المجتمع هـو الذي ينتج الأفراد، بإعتـباره المسير لسلوكهم والملقن لعاداته وتقاليده عن طريق العائلة، حيث يرى دورها في أن المجتمع هــو الذي يخلق الفرد عـن طريق التربية الخلقية.

لكـــن مع ذلـك كله فإن عـــملية التطبيع الاجتماعي التي تقوم بها العائلة على عادات المجتمع و تقاليده، تصطدم بمفهــوم الحداثة و التغيير، ليجد الفرد نفسه داخل حلقة تاريخية بين ما سماه مولود قاســـم أصالية و إنفصاله في ظل جدول بيو ثقافي، الفرد معرض لحركة ذهاب وإياب مستمرة، حيث تأرجحه بين العودة المستحيلة إلى الماضي والوجود المستحيل في هذا الزمن المعاش للتقدم المستهدي جماعياً، حيث أنه قد تـتخـلل هـذه العادات و الـتقاليد العديد من المكتسـبات الجــديدة.

لذلك فالعائلة في أيّ مـجتمع، خصوصاً المدني مـنه، إلا أن الـمدنية هي الأكـثر تعرضاً لمــقومات الحداثة وعـناصرها، وإتـصالها بمفهومي الحضرية والمدنـية، كأسـاسين تـقوم عليهما الحداثة، فتجد العائلة نفسها في مرحلة إنتقالـية من نمط تـقليدي يخضع لمجموعة من ضوابط و قـواعد يمليها القدم والتقليد، إلى نمط جديد يريد أن يتبنى لنفسه الحداثة و العصرنة، فكرياً وسلوكياً، سـواء إجتماعـياً أو ثقافياً أو إقتصادياً، لذلك هذا الإنتقال جعل العائلة تعيش صراعات نفسية و ثقافية و إجتماعية.

حيث تعيش هذه المجتمعات ترتيب ثـقافي زعزع وحدتها وتماسـك أفرادها، ومسها في ذاتها وكيانها وفي جسدها الإجتماعي والثقافي، حيث كثيراً ما ولدت صراعات عنيفة بين الفرد والعائلة و كافة المجتمع، وأيضاً صراعات بيو، حيث كانت ثقافية و صراعات أجيال بين المحافظة على التقليد ومعايشة التحديث و التغيير، حيث تشكل العادات الإجتماعية قوانين دستورية في كافة المجتمع.

عند حدوث أيّ خروج عن إطارها يعرض الفــرد إلى سلطان الضمير الجمعي الذي يمـتاز به كافة المجتمع، إذ تصبح العائلة تشكل محكمة اجتماعية؛ ذلك بممارستها سلطتها على الأفراد و أي خروج عن عاداتها و تقاليدها يعرض الفـرد إلى تهميش و تحقير من قبل المجتمع.

و الممارسات التي يمضي يومنا بها ونعايشها أكبـر دليل على هذه الصراعات داخل كيان المجتمع عامة، كما عليه في البحث عن أصل وأساس العائلة بعاداتها و تقاليدها، وفي ظل هذه الصراعـات أصبح يشكل حتمية وضرورة في الـدراسات الاجتماعـة والإنثربولوجية، فما علاقة أي عائلة حالياً بالعادات و التقاليد بالوسط الحضري؟ وقــد تمت معرفة الكثير في مجال العادات و التقاليد الـعديد مــــن الدراسات التي ألمت بحقيقة الموضوع و جوهريته، والتي نظرت إلى الموضوع مــن زاوية أخرى.

المصدر: موجز تاريخ العالم، هربورت جورج ويلز، 2005آثار البلاد وأخبار العباد، أبو يحيى القزويني، 2016دول العالم حائق وأرقام، محمد الجابريتاريخ واسط، أسلم بن سهل الرازي


شارك المقالة: