سليمان بن عبد الملك

اقرأ في هذا المقال


التعريف بسليمان بن عبد الملك:

هو سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ين أمية القرشي، وكان يطلقون عليه مفتاح الخير حيث لنتشر العدل والأمان في عهده، وعمل خلال فترة خلافته التي لا تتجاوز السنتين والنصف في كل ما هو مفيد للناس ويخدم مصلحتهم. واستمرت الفتوحات الأموية في عهد سليمان وفتح جرجان وطبرستان جهز جيشاً عظيماً لفتح القسطنطينية، وقام بإعداد السفن لتجهيز الإسطول الأموي، وسار في هذه الحمله معاهداً أن لا يعود إلا وقد قام بالفتح أو الموت في سبيله.

سياسة سليمان بن عبد الملك الداخلية:

بدأ سليمان خلافته بعزل بعض ولاة الحجاج ووضع رجال يثق بهم، ولتكون الأمور جميعها تحت سيطرته وليكون له الدعم في ظل الفتوحات الكبيرة التي حدثت، وكان عزل الولاة أمراً سياسياً مدروس بالتعاون مع أكبر المستشارين وأحكمهم، إذ أن تغيير حكم الحجاج وسياسته أمراً طبيعياً.
وقام الخليفة بإطلاق سراح جميع المعارضين للحكم الأموي وضمهم للجيش، ورفع العطاء الشهري إذ أصبح حصة الفرد الواحد 25 درهماً في الشهر، وتوقف عن منع الهجرة بالأساليب القسرية والقاسية التي كانت تُتبع في عهد الحجاج.
وكانت نهاية قادة الفتح التي الذين وضعم سليمان نهاية محزنة، فقد قُتل محمد بن القاسم على يد عامل الخراج صالح بن عبد الرحمن في العراق بسبب أحقاد شخصية، وتوفي قتيبه بن مسلم نتيجةً لتسرعه فقد شك في نوايا سليمان بإتجاهه دون أن يتأكد وأعلن العصيان، وقام أتباع سليمان بقتله، أما موسى بن نصير وضع في الإقامة الجبرية بعد أن تأكد سليمان من وجود تلاعب في الكشوفات ووجود بعض المخالفات، وكان سليمان معاتباً ولكنه أصفح عنه ووضعه مستشاراً.

سياسة سليمان بن عبد الملك الخارجية:

جبهة المشرق:

لم تحدث أي أعمال مثيرة للاهتمام في المشرق بعد وفاة محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم؛ وذلك لأن ظروف الدولة الأموية االسياسية لم تكن مستقرة حينها، فقد انشفلت بإخماد الحركات التي حدثت حينها مثل حركة الخوارج وحركة يزيد بن مهلب، كما أن الخلافات بين العرب في خراسان تجددت، وقام العباسيون باستغلال ذلك وبدأت دعواتهم السرية، وزادت الخلافات بين أفراد البيت الأموي مما أضعف الدولة، لكن رغم ذلك استطاعوا المحافظة على االمكتسبات التي تحققت، وحاولوا أن يثبتوا أقدامهم في الأقاليم الشرقية.

الحصار الثالث للقسطنطينية في عهد سليمان بن عبد الملك:

لم تلقى محاولات الفتح في عهد معاوية بن أبي سفيان النجاح، إلا أن الخليفة سليمان كان مُصِرَّاً على إرسال الجيوش لفتح القسطنطينية، فأشار له موسى بن نصير أن يقوم بفتح ما حولها لتضعف قوتها ثم يقوم بفتح القسطنطينية، لكن أخاه مسلمة أشار له أن يقوم بفتح القسطنطينية غصباً ويكون فتح ما حولها هيناً بعدها، وأخذ سليمان برأي مسلمة.
وجهّز سليمان الجيوش فكان معه مئة وعشرون ألف مقاتل من أهل الشام والجزيرة الفراتية والموصل، وقام أهل مصر بإرسال ألف مركب إليهم بقيادة عمر بن هبيرة وقائد الناس كلهم مسلمة بن عبد الملك، ومعه داوود بن سليمان بن عبد الملك، وذلك كله تحت مشورة موسى بن نصير.
وسار سليمان بن عبد الملك حتى وصل مرج دابق قرب حلب، واجتمع حوله جيش هائل لم يُرى له مثيل، ثم أمر مسلمة بن عبد الملك أن يرحل بالجيوش ومعه إليون الرومي المرعشي، فساروا حتى وصلوا القسطنطينية وحاصرها وعرض أهلها عليه الجزية ولكنه رفض إلا أن يقوم بالفتح.
وفي عام 96هـ قام المسلمون بفتح حصن الحدود، وفي العام الذي يليه فتحوا حصن المرأة، وبعدها مهَّد الخليفة للفتح الأكبر، وقام بغزوة بحرية عظيمة بقيادة عمر بن هبيرة الفزاري، واختار لقيادة الحملة أخوة مسلمة بن عبد الملك الذي يعتبر من أعظم القادة وأذكاهم، وكان أيضاً متمرساً بقتال البيزنطيين فيعرف إسلوبهم وأرضهم، وكان أمير البحر سليمان بن عبد الملك قائداً للأسطول البحري العظيم.
وقام مسلمة بالتجهيز جيداً لهذه الحملة من حيث العدة والمؤونه والخشب لبناء البيوت ليحميهم من برد الشتاء، وعندما سمع ثيودوسيوس الثالث بالحملة، فقام بترميم الأسوار وتخزين المؤن، وعندما اجتاز المسلمون الثغور الحدودية وصل لثغر الأناضول وكانت منطقة آسيا الصغرى بأكملها ضمن الفتح الإسلامي.
وعلم قائد ثغر الأناضول ليو الأيسوري بنوايا المسلمين، وأعلن المساعدة لطمعه بالعرش الإمبراطوري، فاتفق مع مسلمة على خطه تتيح للمسلمين لفتح القسطنطينية وترفعه للعرش، وبعد أن تنكَّر باتفاقية السلام استطاع إعتلاء العرش باسم ليو الثالث وقام بخداع المسلمين وتجرّدهم من أقواتهم.
وسيطر ليو على مدينتي سارديس وبرجاموس بعد أن اقترب المسلمون من بحر إيجه، وتقدم إلى مدينة أبيدوس على مضيق الدردنيل، ثم غلى الشاطئ الأوروربي، حتى وصل أفراده إلى أسوار القسطنطينية وحاصروها من جهة البر، وفي الوقت نفسه تقدم الجيش الإسلامي باتجاه الدردنيل وبحر مرمره وحاصروا المدينة من جهة البحر، وبهذا تكون تعرضت القسطنطينية لحصار شديد من البر والبحر.
وأراد مسلمة اقتحام القسطنطينية، لكن ليو الثالث نصب المجانيق الضخمة وردتهم الأسوار العالية والمنيعة، فلا شك بمهارة المهندسين البيزنطيين، وتوفر جميع أدوات الدفاع، وهبَّت عاصفة هوجاء حطمت العديد من السفن الإسلامية وزعزعت صفوفهم، وعندما رأى البيزنطيين ذلك انتهزوا الفرصة وأطلقوا النار الإغريقية، وبالرغم من ذلك استمر المسلمين بالحصار. وظهرت حينها مواهب ليو الثالث، فقام بإغلاق مدخل البوسفور بسلسلة هائلة من الحديد لإحكام السيطرة عليه، وقام أيضاً بوضع الجنود على الأسوار ليمنعوا دخول المسلمين، وملأ المخازن، وعمل على قطع الإمدادات للمسلمين.
وقلق المسلمين من هذه التدابير ولكن عزيمتهم بقيت صامدة ولم تضعف، فبنوا البيوت من الأخشاب واحتموا فيها من برد الشتاء، وبعدها وصلت امدادات برِّية من أفريقيا وبحرية من مصر وكان عليها العدبد من البحارة المسيحيين، إذ ساعدت هذه الإمدادات على تشديد الحصار واستمراره.
وبعدها أرسل سليمان ابنه داوود على رأس حملة لإثارة الاضطرابات في آسيا الصغرى ولدعم مسلمة بن عبد الملك، لكنه فشل في مهمته، فلم يستطع الوصول لمسلمه بسبب التدابير التي اتخذها ليو الثالث، وبعدها عجز المسلمون على تطويق الجبهة الشمالية بسبب نقص المؤن وعدم قدرتهم على أخذ الدعم من الشام، بالرغم من أنهم كانوا يزرعون ويأكلون من إنتاج زراعتهم.
وفي تلك السنة جاء برد قارص شلَّ حركة المسلمين وأضعفها، وقام البلغار بمهاجتهم من الجانب الأوروبي بالتحالف مع ليو الثالث، وتغلبوا حينها على القائد الحربي عمر بن هبيرة، وأرسلوهم بعيداً عن العاصمة، كما حدث ضرر كبير للسفن الإسلامية بسبب النار الإغريقية، والذي زاد الأمر سوءاً تواطؤ المسيحيين في الجيش الإسلامي بعد تحريضهم من قبل ليو على العصيان.
وبعد وفاة سليمان واعتلاء عمر بن عبد العزيز العرش، والذي لم يكن مهتماً بأمر سياسة الفتوحات؛ لأنها تكلفه أرواحاً وتكاليفاً كثيرة، وأنقذ المسلمين حينها كتاباً أرسله عمر بن عبد العزيز يخبرهم به بإنهاء الحصار والعوده إلى الشام، ورفع حينها مسلمة بن عبد الملك الحصار وأعادت السفن المتبقية من الأسطول بنقل الجنود، لكنها تعرضت لعاصفة أثناء عبورها الأرخبيل، فتشتت السفن وهاجمها البيزنطيين ولم يتبقى منها إلا عشر.
وكان هذا الهجوم الأخير الذي قام به المسلمون لفتح القسطنطينية، وكانت بداية تغير لميزان القوة لفترة زمنية، وأثر هذا الفشل في استراتيجية المسلمون العسكرية في مواجهة البيزنطيين، فانتقلوا من سياسة الهجوم لسياسة الاشتباكات والمناوشات التي لم تهدد الدولة البيزنطية.

وفاة سليمان بن عبد الملك:

كان سليمان بن عبد الملك قد أمر بالخلافة لإبنه أيوب ولكنه توفي قبل تسلُّمه الخلافة، وعندما مرض سليمان استشار رجاء بن حيوة لخلافة عمر بن عبد العزيز من بعده، فوافقه حينها على رأيه، وكتب كتاباً لعمر يتعهده بالخلافة، وتوفي سليمان في سنة 99هـ وهو مرابط في سبيل الله تعالى في مدينة دابق.

المصدر: كتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوشكتاب أطلس تاريخ الدولة الأموية، سامي بن عبدالله بن أحمد المغلوثكتاب البداية والنهاية، ابن كثير كتاب الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتداء من فتنة عثمان، يوسف العش


شارك المقالة: